للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال في الأحكام (١/ ٦): "وهذا يكون تأويلًا لا يليق بالشافعي؛ لعظيم فقهه، وأنس وابن مغفل إنما قالا هذا ردًّا على من يرى قراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

وقال الزيلعي في نصب الراية (١/ ٣٣١) بأن هذا التأويل: "مما تستبعده القريحة، وتمجه الأفهام الصحيحة؛ لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه الخاص والعام،. . . " [وانظر: نخب الأفكار (٣/ ٦٠٣)].

لكن تُعُقِّب قول ابن دقيق العيد هذا، بأن حديث أبي سعيد بن المعلى قد اشتمل على تسمية السورة بهذا المجموع، ففي حديث ابن المعلى: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ "، ثم قال له - صلى الله عليه وسلم -: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته" [أخرجه البخاري (٤٤٧٤ و ٤٦٤٧ و ٤٧٠٣ و ٥٠٠٦)، ويأتي عند أبي داود برقم (١٤٥٨)] [انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٣٦)، الفتح لابن حجر (٢/ ٢٢٧) و (٨/ ١٥٨)، النكت له (٢/ ٧٦٥)].

ويمكن أن يجاب عنه بأن البسملة ليست من الفاتحة على الصحيح، أو على عدِّ أهل المدينة، فهي ليست إذًا من السورة، وهذا الحديث من الأدلة على ذلك، أو يكون معنى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -: السورة التي تبدأ بقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني. . .، فلم يعُدّ البسملة آية منها، والله أعلم [وانظر: التنقيح (٢/ ١٨٥)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن تأول حديث أنس على نفي قراءتها سرًّا، فهو مقابل لقول من قال: مراد أنس أنهم كانوا يفتتحون بفاتحة الكتاب قبل غيرها من السور، وهذا أيضًا ضعيف، فإن هذا من العلم العام الذي ما زال الناس يفعلونه، وقد كان الحجاج بن يوسف وغيره من الأمراء الذين صلى خلفهم أنس يقرؤون الفاتحة قبل السورة، ولم ينازع في ذلك أحد، ولا سئل عن ذلك أحد، لا أنس ولا غيره، ولا يحتاج أن يروي أنس هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ومن روى عن أنس أنه شك: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ البسملة أو لا يقرؤها، فروايته توافق الروايات الصحيحة؛ لأن أنسًا لم يكن يعلم هل قرأها سرًّا أم لا، وإنما نفى الجهر" [المجموع (٢٢/ ٢٧٩)].

وقال أيضًا: "وكلا الروايتين ينفي تأويل من تاول قوله: يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أنه أراد السورة، فإن قوله: يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها: صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية، لا بسورة الفاتحة التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه.

وأيضًا فإن افتتاح الصلاة بالفاتحة قبل السورة هو من العلم الظاهر العام الذي يعرفه الخاص والعام، كما يعلمون أن الركوع قبل السجود، وجميع الأئمة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان يفعلون هذا، ليس في نقل مثل هذا فائدة، ولا هذا مما يحتاج فيه إلى نقل أنس، ولا هم قد سألوه عن ذلك، وليس هذا مما يسأل عنه، وجميع الأئمة من أمراء

<<  <  ج: ص:  >  >>