فيقال: هذا مخالف للصحيح الثابت عن عمر من وجوه عديدة أنه كان لا يجهر بالبسملة، أصحها حديث قتادة عن أنس [نصب الراية (١/ ٣٥٦)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (٣/ ٥٤٨)].
وصح عنه أيضًا بما يوافق ما رواه عنه أنس من وجوه آخر بأسانيد قوية [انظر: مصنف عبد الرزاق (٢/ ٩٣/ ٢٦٢١)، مصنف ابن أبي شيبة (١/ ٣٦١/ ٤١٤٨)، الأوسط لابن المنذر (٣/ ١٢٨/ ١٣٦٠ و ١٣٦١)، شرح المعاني (١/ ٢٠٤)، الإنصاف لابن عبد البر (٤١)] [وانظر أيضًا: نصب الراية (١/ ٣٥٦)].
قال ابن عبد البر في الإنصاف (٨١): "وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والطرق عنهم ليست بالقوية".
• مسألة:
قال الترمذي بعد حديث قتادة عن أنس (٢٤٦): "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين ومن بعدهم: كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، معناه: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه: أنهم كانوا لا يقرؤون: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكان الشافعي يرى: أن يبدأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأن يجهر بها إذا جهر بالقراءة" [وانظر: الأم (٢/ ٢٤٤)، سنن البيهقي (٢/ ٥١)، الخلافيات (٢/ ٥٥ - مختصره)، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (١/ ٣٣٧)].
وما ذهب إليه الشافعي من كون:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} اسم لسورة الفاتحة، وأن معنى حديث أنس: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، فقد خالفه فيه الأئمة، وسياق الحديث لا يدل عليه، قال ابن دقيق العيد [وهو شافعي المذهب، في إحكام الأحكام (١/ ٢٣٤) في أثناء شرح حديث عائشة الآتي: "واستدل به أصحاب مالك على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وتأوله غيرهم على أن المراد: يفتتح بسورة الفاتحة قبل غيرها من السور، وليس بقوي؛ لأنه إن أُجريَ مجرى الحكاية فذلك يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه، فلا يكون قبله غيره؛ لأن ذلك الغير يكون هو المفتتح به، وإن جعل اسمًا فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع؛ أعني:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، بل تسمى بسورة الحمد، فلو كان لفظ الرواية: كان يفتتح بالحمد، لقوي هذا المعنى؛ فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث".
ولهذا المعنى فقد أنكر ابن العربي هذا التأويل على الشافعي إنكارًا شديدًا، حيث