للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• وحديث أنس هذا لا يصلح دليلًا على الجهر بالبسملة في الفاتحة من وجوه:

الأول: أن ذكر البسملة هنا اقترن بتلاوة سورة الكوثر، وليس بالفاتحة.

الثاني: أن هذه الواقعة لم تكن في الصلاة، والخلاف بين من أثبت البسملة آيةً من الفاتحة إنما هو في الجهر والإسرار بها في الصلاة، لا خارجها.

الثالث: معلوم أن البسملة ليست من سورة الكوثر، حيث انعقد إجماع أهل العدِّ على أن عدد آيات سورة الكوثر: ثلاث آيات فقط، ليس منها البسملة، قال أبو عمرو الداني في البيان في عدِّ آي القرآن (٢٩٢): "وهي ثلاث آيات في جميع العدد، ليس فيها اختلاف، ورؤوس الآي: الكوثر، وانحر، الأبتر"، وقال الكاساني في بدائع الصنائع (١/ ٢٠٤): "انعقد الإجماع من الفقهاء والقرَّاء أن سورة الكوثر ثلاث آيات"، وقال ابن قدامة في المغني (١/ ٢٨٦): "وأجمع الناس على أن سورة الكوثر ثلاث آيات بدون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

كما أن أهل العدد مجمعون على ترك عدِّ البسملة آيةً من غير الفاتحة، واختلفوا في عدِّها في الفاتحة [المجموع شرح المهذب (٣/ ٢٠٣)].

فإن قيل: فلماذا قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول السورة، كما صح هنا في حديث أنس؟ وقد أُثبتت في المصاحف في أوائل السور جميعًا عدا براءة بخط المصحف، مما يدل على أنها من السور، إما أن تكون آيةً كاملةً من أول كل سورة، وإما بعض آية من أولها؟

فيقال: نحن لا ننكر كونها آيةً من كتاب الله تعالى، إلا أنها آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، ولذا فقد كتبت في سطر مستقل بين كل سورتين، ولو كانت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية في كل سورة لعُدَّت في آي السور، فقد كتب الناس المصاحف، وكتبوا عدد آي كل سورة؛ فلم يعدوها في عدد آي السور، فمن ذلك أنهم كتبوا: سورة الكوثر ثلاث آيات، ولو عدوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} منها لكتبوا عددها أربع آيات، وكذلك جميع السور، لا اختلاف بينهم في شيء منها إلا في فاتحة الكتاب.

قال الزركشي في البحر المحيط (١/ ٣٨١): "فإن إثباتها في المصحف بين السور منتهض في كونها من القرآن، ولم يقُمْ دليل على كونها آيةً من أول كل سورة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأقوال في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان ووسط.

الطرف الأول: قول من يقول أنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، كما قال مالك، وطائفة من الحنفية، وكما قاله بعض أصحاب أحمد مدعيًا أنه مذهبه، أو ناقلًا لذلك رواية عنه.

والطرف المقابل له: قول من يقول أنها من كل سورة آية، أو بعض آية، كما هو المشهور من مذهب الشافعي ومن وافقه، وقد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة، وإنما يستفتح بها في السور تبركًا بها، وأما كونها من الفاتحة فلم يثبت عنه فيه دليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>