والقول الوسط: أنها من القرآن حيث كُتبت، وأنها مع ذلك ليست من السور؛ بل كتبت آية في أول كل سورة، وكذلك تتلى آية منفردة في أول كل سورة، كما تلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه سورة:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن سورة من القرآن هي ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، رواه أهل السنن وحسنه الترمذي، وهذا القول: قول عبد الله بن المبارك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد بن حنبل، وذكر أبو بكر الرازي أن هذا مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده، وهو قول سائر من حقق القول في هذه المسألة وتوسط فيها ممن جمَع بين مقتضى الأدلة، وكتابتها سطرًا مفصولًا عن السورة، ويؤيد ذلك قول ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، رواه أبو داود" [مجموع الفتاوى (٢٢/ ٤٣٤)، بتصرف يسير يقتضيه السياق].
[انظر: الأوسط لابن المنذر (٣/ ١٢١)، أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٤)، المغني (١/ ٢٨٦)، المجموع شرح المهذب (٣/ ٢٠٢)، البحر المحيط في أصول الفقة للزركشي (١/ ٣٨١)، عمدة القاري (٥/ ٢٨٤)، التحبير شرح التحرير (٣/ ١٣٧١)].
***
٧٨٥ - قال أبو داود: حدثنا قَطَن بن نُسَير: حدثنا جعفر: حدثنا حميدٌ الأعرج المكي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكر الإفك، قالت: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكشف عن وجهه، وقال:"أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآية.
قال أبو داود: وهذا حديث منكر، قد روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن الزهري، لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمرُ الاستعاذة منه كلامَ حميد.
• حديث منكر.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (٢/ ٤٣).
وروى طرفًا منه من طريق قطن بن نسير به، بدون موضع الشاهد: أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (١/ ٣٤٢).
وهو حديث منكر؛ كما قال أبو داود، وقد خاف أبو داود أن تكون الاستعاذة والتسمية من كلام حميد بن قيس الأعرج المكي القارئ، وهو وإن كان وثقه الجمهور، والعمل على توثيقه، إلا أن هناك من جرحه، أو أنزله عن رتبة الثقات، فقد قال عنه الإمام أحمد [في رواية ابنه عبد الله عنه]: "ليس هو بقوي في الحديث"، وقد سأل أبو داود الإمامَ أحمد عنه فقال: "حميد بن قيس أخو عمر: هو ثقة؟ "، فقال الإمام أحمد: "هو