صالح"، ولا شك أن عدوله عن قوله: هو ثقة، إلى قوله: هو صالح؛ ليدل دلالة بينة على ما يقع في حديثه من أوهام، ولعله لأجل هذا المعنى خاف أبو داود أن تكون هذه الزيادة في هذا الحديث من كلام حميد الأعرج، وكذلك أنزله أبو حاتم عن مرتبة المتثبتين المتقنين، فقال [كما في العلل عنه]: "ليس بالحافظ"، مشيرًا إلى وقوع الوهم منه، لكن ابن عدي ذهب إلى أن ما يقع في حديث حميد من المناكير إنما الحمل فيها على من يروي عنه من الضعفاء وغيرهم، قال ابن عدي: "وحميد بن قيس هذا له أحاديث غير ما ذكرت صالحة، وهو عندي لا بأس بحديثه، وإنما يؤتى ما يقع في حديثه من الإنكار من جهة من يروي عنه"، وعليه يُحمل توثيق من وثقه بإطلاق، مثل: مالك بن أنس، وأحمد [في رواية عنه]، وابن معين، والبخاري، والعجلي، وابن سعد، وأبي زرعة الرازي، ويعقوب بن سفيان، وأبي زرعة الدمشقي، وأبي داود، وابن خراش، وابن حبان، وتوسط فيه أبو حاتم والنسائي، فقالا: "ليس به بأس"، والله أعلم [انظر: العلل ومعرفة الرجال (١/ ٣٩٨/ ٨٠٨)، سؤالات أبي داود (٢١٥)، علل الحديث لابن أبي حاتم (١/ ٤٧٣/ ١٤١٩)، الكامل (٢/ ٢٧١)، التهذيب (١/ ٤٩٨)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (٢/ ٧٠٦)].
وأما الراوي عن حميد فهو: جعفر بن سليمان الضبعي، وهو: صدوق، وله أوهام [انظر: التهذيب (١/ ٣٠٦)، الميزان (١/ ٤٠٨)].
وأما قطن بن نسير الذارع فهو متكلَّم فيه بأشد مما تُكُلِّم في صاحبيه، قال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عنه، فرأيته يحمل عليه، ثم ذكر أنه روى أحاديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، مما أنكر عليه"، وقال فيه أبو زرعة أيضًا: "وصل أحاديث عن ثابت، جعلها عن أنس"، وقال ابن عدي: "يسرق الحديث، ويوصله"، ومسلم لم يخرج له إلا متابعة، وقد أنكر عليه أبو زرعة إدخاله في الصحيح [صحيح مسلم (١١٩ و ٢٧٥٠)] [سؤالات البرذعي (٥٣٧ و ٦٧٥ و ٦٧٦)، الجرح والتعديل (٧/ ١٣٨)، الكامل (٦/ ٥٢)، تاريخ بغداد (٤/ ٢٧٢)، التهذيب (٣/ ٤٤٢)].
وعليه فإن إلحاق الوهم بقطن بن نسير هو الأليق، إن كان هو المتفرد به، ولما ذكر عبد الحق الإشبيلي هذا الحديث في أحكامه الوسطى (١/ ٣٧٣)، وأتبعه بكلام أبي داود السابق؛ تعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (٣/ ٣٦٨/ ١١١١) بقوله: "هذا ما أتبعه، وليس فيه بيان علته؛ فإن حميد بن قيس: أحد الثقات، ولا يضره الانفراد، وإنما علته أنه من رواية قطن بن نسير، عن جعفر بن سليمان، عن حميد، كذا رواه أبو داود عن قطن، وقطن وإن كان مسلم يروي عنه فقد كان أبو زرعة يحمل عليه، ويقول: إنه روى عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أحاديث مما أنكر عليه، وجعفر أيضًا مختلف فيه، فليس ينبغي أن يحمل على حميد، وهو ثقة بلا خلاف، في شيء جاء به عنه من يختلف فيه".
قلت: ثم بان لي أن قطن بن نسير لم يتفرد به عن جعفر بن سليمان، تابعه جماعة،