للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنهم من ذهب إلى أن الأمر في مثل هذا واسع، وأن القول بالحصر فيه ممتنع، اعتمادًا على تجويز خفاء ذلك، إما لعدم سماع البعيد، أو ضعف سمعه ولو كان قريبًا، أو لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بها بين الجهر والإخفات، أو لكونه كان يبتدئ القراءة بصوت خفيض ثم يرفعه ويشتد صوته بعد ذلك، أو نحو ذلك من التأويلات، وبني على ذلك أن كل من ذهب فيه إلى رواية فهو مصيب، متمسك بالسُّنَّة، وبنحو ذلك قال الحازمي وغيره [الاعتبار (١/ ٣٤٠)، المعتمد (٢/ ٧٩ و ١٦٧)].

ومنهم من وهَّم أنسًا في نقله عدم الجهر بالبسملة، لكونه كان صغيرًا يصلي وراء الصفوف، فلم يكن يسمع جهره بها، فردَّ ذلك جماعة، منهم: ابن القيم، فقال في كتاب الصلاة وحكم تاركها (١٩٦): "وقدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ ولأنسٍ عشرُ سنين، فخدمه واختص به، وكان يُعدُّ من أهل بيته، وكان غلامًا كيِّسًا فطِنًا، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل كامل له عشرون سنة، ومع هذا كله فيغلط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قراءته وقدر صلاته وكيفية إحرامه، ويستمر غلطه على خلفائه الراشدين من بعده، ويستمر على صلاته في مؤخَّر المسجد حيث لا يسمع قراءة أحد منهم".

وقال ابن عبد الهادي في كتابه في الجهر: "وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه [يعني: أنسًا، لم يسمعه لبُعده، وأنه كان صبيًّا يومئذ: فمردود؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذٍ عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يُتصوَّر أن يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدهر يجهر، هذا بعيد بل مستحيل، ثم قد روى هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان، مع تقدِّمه في زمانهم، وروايته للحديث، وقد روى أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه" [نصب الراية (١/ ٣٦١)، نخب الأفكار (٣/ ٥٦٩)، عمدة القاري (٥/ ٢٩١)، الأحكام الكبير لابن كثير (٣/ ٨٢)].

وقاله ابن الجوزي أيضًا في التحقيق (١/ ٣٥٤) ردًّا على من قال بأن حديث أنس شهادة على النفي، فقال: "هذا هو في معنى الإثبات"، ثم ساق هذه الحجة.

وانظر: فضائل القرآن لأبي عبيد (٢١٩)، الأوسط لابن المنذر (٣/ ١٢٥)، المسالك في شرح موطأ مالك (٢/ ٣٦١)، عارضة الأحوذي (٢/ ٤٥)، أحكام القرآن (١/ ٦)، القبس في شرح الموطأ (١/ ٢٣٠)، الجامع لأحكام القرآن (١/ ١٢٩)، المغني (١/ ٢٨٥)، المجموع شرح المهذب (٣/ ٢٧٨ - ٣٠٢)، شرح مسلم للنووي (٤/ ١١١)، الشافي في شرح مسند الشافعي لابن الأثير (١/ ٥٤١)، النفح الشذي (٤/ ٣٠١ - ٣٣٨)، الأحكام الكبير لابن كثير (٣/ ٢٤ - ٩٣)، التقييد والإيضاح (١١٦)، النكت لابن حجر (٢/ ٧٤٨ - ٧٧١)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (٣/ ٥٦٩)، وغيرها كثير.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>