للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يرتقي عددهم إلى أحد وعشرين صحابيًّا، رووا ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم من صرح بذلك، ومنهم من فُهِم من عبارته، ولم يَرِدْ تصريحُ الإسرار بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إلا روايتان: إحداهما: عن ابن مغفل، وهي ضعيفة، والثانية: عن أنس، وهي معللة بما أوجب سقوط الاحتجاج بها.

ومنهم من استدل بحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا دليل فيه للإسرار.

وأما أحاديث الجهر فالحجة قائمة بما شهد له بالصحة منها؛ وهو ما روي عن ستة من الصحابة: أبي هريرة، وأم سلمة، وابن عباس، وأنس، وعلي بن أبي طالب، وسمرة بن جندب - رضي الله عنهم - " [البدر المنير (٣/ ٥٦٩)].

وممن صنف في هذه المسألة تصنيفًا مستقلًا مفردًا: محمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وابن عبد البر، والخطيب، وأبو شامة، وابن عبد الهادي، وغيرهم، وقد تباينت أقوال الأئمة في هذه المسألة تباينًا شديدًا.

قال ابن خزيمة في الصحيح بعد الحديث رقم (٤٩٤): "قد خرجت طرق هذا الخبر وألفاظها في كتاب الصلاة كتاب الكبير، وفي معاني القرآن، وأمليت مسالةً قدر جزئين في الاحتجاج في هذه المسألة أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية من كتاب الله في أوائل سور القرآن".

وقد ذهب ابن خزيمة إلى الجمع بين الأخبار، ولم يرُدَّ حديث أنس، بل قال بظاهره، حيث قال: "باب ذكر الدليل على أن أنسًا إنما أراد بقوله: لم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ أي: لم أسمع أحدًا منهم يقرأ جهرًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأنهم كانوا يسِرُّون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة، لا كما توهم من لم يشتغل بطلب العلم من مظانه، وطلب الرئاسة قبل تعلم العلم".

ومنهم من ذهب إلى تخيير الإمام بين الجهر والإخفات، مثل: ابن خزيمة وابن المنذر [الأوسط (٣/ ١٢٩)].

ومنهم من ذهب إلى أن الاختلاف في هذا كالاختلاف في وجوه القراءات المتواترة، وأن كلَّه حقٌّ، وأنه من الاختلاف في الأحرف السبعة، مثل: ابن حزم، حيث قال في المحلى (٣/ ٢٥٣) بعد أن ذكر بعض ألفاظ حديث أنس: "فهذا يوجب أنهم كانوا يقرؤونها ويُسِرُّون بها، وهذا أيضًا الإيجاب فيه لقراءتها، وكذلك سائر الأخبار ثم قال: "والحقُّ من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضًا، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حقٌّ كلُّها، مقطوعٌ به، مُبَلَّغة كلُّها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن جبريل عليه السلام، عن الله عَزَّ وَجَلَّ، بنقل المَلَوَان، فقد وجب إذ كلُّها حقٌّ أن يفعل الإنسان في قراءته أيَّ ذلك شاء، وصارت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في قراءةٍ صحيحةٍ آيةً من أم القرآن، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، مثل لفظة: {هُوَ} في قوله تعالى في سورة الحديد: {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)} [الحديد: ٢٤] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>