لكنه وكل الأمر في بيان ذلك إلى رسوله، ثم أمر بالاقتداء به والائتساء بفعله، وذلك معنى قوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، ... ".
وهذا خلاف ما قاله في المعالم (١/ ١٧٤)، قال: "وهذا وهمٌ من ابن عباس؛ قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الظهر والعصر من طرق كثيرة، ... "، ثم ذكر حديث أبي قتادة، وحديث خباب.
قال ابن رجب في الفتح (٤/ ٤١١): "فهذا يدل على أن ابن عباس كان يرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقرأ في صلاة الظهر والعصر شيئًا، وقد تأوله الإسماعيلي وغيره على أنه لم يكن يجهر بالقراءة، بل يقرأ سرًّا وهذا لا يصح؛ فإن قراءة السرِّ لا تسمى سكوتًا".
وقال في موضع آخر عن رواية أحمد المفصلة (٤/ ٤٦٢): "وهذا يردُّ قول من تأوَّل كلام ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُسِرُّ القراءة في بعض صلاته، ويجهر في بعضها، كما نقله الإسماعيلي والخطابي وغيرهما، وقد روي ذلك صريحًا عن ابن عباس من وجوه آخر".
وانظر: الفتح لابن حجر (٢/ ٢٥٤).
وقال النووي في المجموع (٣/ ٣٠٩) في الجواب عن حديث ابن عباس بأنه: "نفى وغيره أثبت، والمثبت مقدم على النافي، وكيف وهم أكثر منه، وأكبر سنًّا، وأقدم صحبة، وأكثر اختلاطًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لا سيما أبو هريرة وأبو قتادة وأبو سعيد، فتعين تقديم أحاديثهم على حديثه، والرواية الثانية عن ابن عباس: تبين أن نفيه في الرواية الأولى كان على سبيل التخمين والظن لا عن تحقيق، فلا يعارض الأكثرين الجازمين بإثبات القراءة".
• قلت: تأويل من تأوَّل السكوت بقراءته في نفسه، قد تولى نفيه ابن عباس بنفسه:
وذلك فيما رواه موسى بن سالم: حدثنا عبد الله بن عبيد الله، قال: دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم، فقلنا لشابٍّ منا: سَلِ ابن عباس: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا، لا، فقيل له: لعله كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشًا! هذه شرٌّ من الأولى، كان عبدًا مأمورًا بلَّغ ما أُرسِلَ به، ... الحديث، وهو حديث صحيح، تقدد برقم (٨٠٨).
• وفيما رواه يزيد بن زريع، وابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلوات، وسكت في صلوات، فنحن نقرأ فيما قرأ فيه نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ونسكت فيما سكت فيه، فقيل له: فلعل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في نفسه؟ فغضب، وقال: أنتَّهِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -! أوُيتَّهَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -!، وفي رواية: أنتَّهِم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه أحمد (١/ ٢١٨ - ميمنية) (٢/ ٤٨٢/ ١٩١٢ - ط المكنز)، والطبراني في الكبير (١١/ ٢٨٣/ ١٢٠٠٥).
ورواه جرير بن حازم، قال: سمعت أبا يزيد المدني، يحدث عن عكرمة، عن ابن