للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن إسحاق وإن ثبت عنه التدليس إلا أنَّه لم يكن ديدنه وعادته، بدليل روايته عن رجل عن شيخه الَّذي سمع منه، وروايته عن رجلين عنه، بل إنه لم يكن يعمِّي تدليسه دائمًا بالعنعنة، بل يشير وينبه على عدم السماع بقوله: ذكر فلان، وقال فلان.

قال المرُّوذي: "قال أحمد بن حنبل: كان ابن إسحاق يدلس؛ إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبيِّن إذا كان سماعًا قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال" [العلل ومعرفة الرجال للمروذي (١)، تاريخ بغداد (١/ ٢٣٠)].

وقال عبد الله بن أحمد: "قال أبي: إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان؛ فلم يسمعه" [المنار المنيف (٦)، تحفة التحصيل (٢٧٤)] [قلت: هو في المسند (٤/ ٢٧) بعد حديث رواه من طريق إبراهيم بن سعد عنه به، فقال: "إذا قال ابن إسحاق: وذكر؛ لم يسمعه، يدل على صدقه"].

وفي هذا إشارة من الإمام أحمد إلى تقديم إبراهيم بن سعد في ابن إسحاق، حيث كان يحرص على إبقاء صيغ التحمل من كلام ابن إسحاق كما هي، دون أن يتصرف فيها بالعنعنة، ونحوها.

• وبعد هذا البيان فما حكم هذا الحديث من رواية ابن إسحاق، وظاهره أنَّه لم يصرح فيه بالسماع:

قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس: يحتج فيما لم يقل فيه: سمعت؟ قال: لا أدري، فقلت: الأعمش متى تصاد له الألفاظ؟ قال: يضيق هذا؛ أي: أنك تحتج به" [سؤالات أبي داود (١٣٨)].

ومفهوم كلام الإمام أحمد أن حديث المدلِّس لا يرد بمجرد العنعنة، وإلا لكان الجواب: لا؛ أي: لا يحتج به حتَّى يصرح بالسماع، ثم أشار إلى أن الأصل في حديث الأعمش الاحتجاج به؛ إلا أن تأتي قرينة دالة على تدليسه، وبهذا تأتلف الأقوال في هذا الباب، والله أعلم.

وقال يعقوب بن شيبة: "سألت يحيى بن معين عن التدليس؟ فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلِّس حجةً فيما روى، أو حتَّى يقول: حدثنا وأخبرنا؟ قال: لا يكون حجةً فيما دلَّس" [الكامل لابن عدي (١/ ٣٤)، الكفاية (٣٦٢)، النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (٢/ ٨٨)، النكت لابن حجر (٢/ ٦٣٣)].

وهذا ظاهر في أن الأصلَ في حديث المدلس الاحتجاجُ به، حتَّى يتبين لنا أنَّه دلسه، فعندئذ يسقط الاحتجاج بهذا الحديث المعين؛ فلو كان حديث المدلس المعنعن يُرَدُّ بمجرد العنعنة دون الحاجة إلى قرينة أخرى؛ لقال ابن معين: لا يكون حجة حتَّى يقول: حدثنا وأخبرنا، كذلك فإن ابن معين لم يقل: لا يكون حجة فيما عنعن، وإنما قال: فيما دلس؛ يعني: فيما ثبت وقوع التدليس فيه.

وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: "وإن كان رجلٌ معروفًا بصحبة رجلٍ والسماع منه،

<<  <  ج: ص:  >  >>