فاستفدنا من كلام ابن حبان كون الحديث معروفًا عن شريك، وأنه ليس من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري.
وعليه: فإن حديث ابن أبي فديك إسناده حسن، والله أعلم.
• وحديث أَنس هذا روي من وجوه أخر [يأتي أحدها عند أبي داود برقم (٨٨٨)]، نذكر منها ما تناول القراءة في الصلاة:
فقد روى فليح بن سليمان، عن محمد بن مُساحِقٍ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أَنس، قال: ما رأيت إمامًا أشبهَ صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إمامكم، لعمر بن عبد العزيز، قال: وكان عمر لا يطيل القراءة.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (١/ ٢٣٥)، وأحمد (٣/ ١٤٤ و ٢٢١ و ٢٥٩).
وهذا إسناد صالح في المتابعات، محمد بن مساحق، لا يُعرف له غير هذا الحديث، ولا روى عنه سوى فليح، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (٨/ ١٥١)، الثقات (٧/ ٤٢٠)، التعجيل (٩٧٢)]، وفليح بن سليمان: صدوق، كثير الخطأ.
• والحاصل: فقد صح بذلك هذا الخبر من حديث أبي هريرة، ومن حديث أَنس.
وقد حسن إسناد حديث أبي هريرة النووي في الخلاصة (١٢١٥)، وصححه في المجموع (٣/ ٣٣٥).
وقال ابن القيم بأنه على شرط مسلم [حاشيته على سنن أبي داود (٣/ ٧٨)].
وقال ابن رجب في الفتح (٤/ ٤٣٣): "فهذا حديث صحيح عن أبي هريرة وأنس، ويدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في المغرب بقصار المفصَّل".
وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (١/ ٤٥٩): "هذا حديث صحيح من حديث أبي هريرة، والمرفوع منه تشبيه أبي هريرة صلاة الأمير المذكور بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما عدا ذلك موقوف إن كان الأمير المذكور صحابيًّا، أو مقطوع إن لم يكن.
وأما حديث أنس ففي سنده مبهم يمنع من الحكم بصحته، والمرفوع منه أيضًا التشبيه، وما عداه مقطوع"، [سبق كان اتصال حديث أَنس].
وكان قال قبل ذلك (١/ ٤٤٥): "وأما القراءة في المغرب بقصار المفصَّل، فلم أر في ذلك حديثًا صحيحًا صريحًا، بل الوارد في الأحاديث الصحيحة أنَّه قرأ فيها بطوال المفصَّل؛ كالطور والمرسلات، وبأطول منها كالدخان، وبأطول من ذلك أضعافًا كالأعراف.
وأقوى ما رأيته في ذلك حديث أبي هريرة، لكن سياقه ليس نصًّا في رفعه" [وانظر: الفتح لابن حجر (٢/ ٢٤٨)].
٢ - حديث معاذ بن جبل:
روى محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا من الأنصار مرَّ بناضحين له، ومعاذ يصلي المغرب، فافتتح سورة البقرة، فصلى الرجل ثم ذهب، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -