يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه، وينضم إلى هذا أنَّه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف، وقيل: إنما طوَّل في بعض الأوقات وهو الأقل، وخفَّف في معظمها، فالإطالة لبيان جوازها، والتخفيف لأنَّه الأفضل، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف، وقال:"إن منكم منفِّرين؛ فأيكم صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة"، وقيل: طوَّل في وقتٍ، وخفَّف في وقتٍ، ليبيِّن أن القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط، بل يجوز قليلها وكثيرها، وإنما المشترط الفاتحة، ولهذا اتفقت الروايات عليها، واختلف فيما زاد، وعلى الجملة: السُّنَّة التخفيف؛ كلما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلة التي بيَّنها، وإنما طوَّل في بعض الأوقات لتحقُّقِه انتفاءَ العلة، فإن تحقَّق أحدٌ انتفاء العلة طوَّل [وانظر: المجموع شرح المهذب (٣/ ٣٣٧)].
وقال ابن دقيق العيد في الإحكام (١/ ٢٦٧): "والصحيح عندنا: أن ما صح في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يكثر مواظبته عليه فهو جائز من غير كراهة، كحديث جبير بن مطعم في قراءة الطور في المغرب، وكحديث قراءة الأعراف فيها، وما صحت المواظبة عليه فهو في درجة الرجحان في الاستحباب؛ إلا أن غيره مما قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مكروه".
وانظر أيضًا: شرح السُّنَّة (٣/ ٨٠)، عارضة الأحوذي (٢/ ١٠٤)، فتح الباري لابن رجب (٤/ ٤١٨)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٢٠٤)، الفتح لابن حجر (٢/ ٢٤٨)، وغيرها.
• قال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (٣/ ٧٧) بعد حديث أم الفضل في القراءة في المغرب بالمرسلات: "وهذا يدل على أن هذا الفعل غير منسوخ لأنَّه كان في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -" [وانظر: الإحكام لابن حزم (٢/ ٢٢٥)، [وانظر: كتاب الصلاة وحكم تاركها (١٩٣)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فهذه الأحاديث من أصح الأحاديث، وقد ثبت فيها أنَّه كان يقرأ في المغرب تارة بالأعراف، وتارة بالطور، وتارة بالمرسلات، مع اتفاق الفقهاء على أن القراءة في المغرب سُنَّتُها أن تكون أقصر من القراءة في الفجر، فكيف تكون القراءة في الفجر وغيرها؟! [المجموع (٢٢/ ٥٩٩)].
قلت: قد ظهر من مجموع أحاديث الباب أن الأمر واسع، والأخذ بالتخفيف على المأمومين هو الأقرب لما سبق بيانه، ولا يمنع هذا من كون الإمام يقرأ أحيانًا بشيء من طوال المفصَّل وأوساطه، كالطور والمرسلات ونحوهما، اقتداءً بسُنته الفعلية"، ولا يتخذه عادةً فيُمِلَّ الناسَ، والله أعلم.