وشيخ الطبراني فيه جهالة، ومن ثم فإن مثل هذا السماع لا يثبت بهذه الطريق الواهية.
وكذلك ما ذكره الكلاباذي من سماع عروة من أم سلمة في كتابه عن رجال صحيح البخاري، المسمى: الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد (٢/ ٥٨١/ ٩٢٠) بقوله في ترجمة عروة: "سمع أباه الزبير، وأخاه عبد الله بن الزبير، وأمه أسماء، وخالته عائشة بنتي أبي بكر الصديق، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن زمعة، وأبا حميد، وأبا هريرة، وابن عباس، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن أبي سلمة، وزينب بنت أبي سلمة، وأمها أم سلمة"، وحكاه عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٠/ ٢٤٢).
ويجاب عن هذا بأن هذه كانت عادة أبي نصر الكلاباذي في الترجمة لمن روي لهم البخاري فيبدأ بذكر اسمه ونسبه، ثم يقول: سمع فلانًا وفلانًا، بدلًا من القول بأنه روى عن فلان وفلان، ممن أخرج لهم البخاري من روايته عنهم، وعليه: فهذه العبارة لا يعتمد عليها في إثبات السماع، بقدر ما تعني أن صاحب الترجمة روى عن هؤلاء عند البخاري في صحيحه، والله أعلم.
• والخلاصة: فإن حديث هشام بن عروة هذا الَّذي أخرجه البخاري ظاهره الانقطاع، كما صرح بذلك النسائي والطحاوي والدارقطني.
فكيف يجاب إذًا عن إخراج البخاري له في صحيحه وقد اشترط فيه اتصال السند؟
فالجواب: أن البخاري لما كان محتاجًا لحديث هشام هذا لم يخرجه على انفراده، وإنما مهد له بحديث مالك عن أبي الأسود والذي فيه كان الإسناد المتصل إلى أم سلمة ولم يسق متنه، ثم أتبعه بحديث هشام هذا وساقه بتمامه لما فيه من موضع الشاهد، فدل ذلك على أن البخاري إنما أخرجه متابعة، وإلا لما كان هناك حاجة لإخراج حديث مالك في هذا الموضع لخلوه من موضع الشاهد، فيحتمل أن البخاري أراد بذلك بيان أن عروة إنما يروي عن أم سلمة بواسطة زينب، فهي ثبته فيما يرويه عن أم سلمة، وإن أسقطها هشام من الإسناد، فهو في معنى المتصل من هذا الوجه، مثل ما أخرج البخاري كثيرًا لحميد الطويل عن أَنس، وهو لم يسمع من أَنس إلا شيئًا يسيرًا اختلف في عدده، وإنما ثبته فيها ثابت، وعلى هذا فإن الواسطة إذا كانت معلومة، وكان ثقة، فلا يقدح مثل هذا في اتصال الإسناد، والله أعلم.
وأخيرًا: فإن حديث هشام بن عروة هذا صالح للاحتجاج من هذا الوجه، وكون هشام أسقط الواسطة بين عروة وبين أم سلمة، فصار ظاهره الانقطاع، فلا يقدح ذلك في صحته؛ إذ الواسطة معلومة في هذا الحديث من وجه آخر، وهو حديث مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أم سلمة، فصح بذلك الحديث واتصل، والله أعلم.
• وبناءً على ما تقدم: فإن مالكًا لم يعيِّن في حديثه الصلاةَ التي قرأ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطور، وعينها هشام بكونها الصبح؛ فتبين بذلك نكارة رواية ابن خزيمة، بتعيين الصلاة بأنها العشاء، وأن راويها حمل لفظ مالك على لفظ ابن لهيعة، قال ابن حجر في الفتح