للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سعيد بن المسيب"، مما يدل على جلالته حيث يستمع إليه ابن المسيب وتلميذه ابن شهاب الزهري، وهما أئمة أهل المدينة في زمانهما، ثم هما يقولان بمقتضى هذا الحديث الَّذي رواه لهما ابن أكيمة، وفي هذا توثيق ضمني له من ابن المسيب ومن الزهري حيث لم ينكرا عليه ما رواه عن أبي هريرة، ثم هما بعد ذلك يذهبان إلى العمل بحديثه هذا، والله أعلم.

ولأجل هذا المعنى؛ قال يعقوب بن سفيان: "هو من مشاهير التابعين بالمدينة" [التهذيب (٣/ ٢٠٧)].

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٤٦٤): "قال ابن شهاب: كان ابن أكيمة يحدث في مجلس سعيد بن المسيب، فيصغي إلى حديثه، وحسبك بهذا فخرًا وثناءً".

وقال في التمهيد (١١/ ٢٢): "الدليل على جلالته: أنَّه كان يحدث في مجلس سعيد بن المسيب، وسعيد يصغي إلى حديثه عن أبي هريرة، وسعيدٌ أجلٌ أصحاب أبي هريرة، وذلك موجود في حديثه هذا من رواية ابن عيينة وغيره، وإلى حديثه ذهب سعيد بن المسيب في القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه، وبه قال ابن شهاب، وذلك كلُّه دليل واضح على جلالته عندهم وثقته، وبالله التوفيق".

وعلى هذا فإن الذين حكموا عليه بالجهالة؛ فإنما ذهبوا إلى ذلك لقلة روايته حيث لا يصح له غير هذا الحديث الواحد، كما أنَّه لم يرو عنه غير الزهري، ومن المعلوم أن الراوي إذا لم يروِ منكرًا، وكان المتفرد عنه من كبار الأئمة الحفاظ: فإن هذا مما يرفع من حاله، فالزهري أحد سادات زمانه في العلم والعمل، وهو تابعي أيضًا، فرواية مثله عن تابعي غير مشهور، وقد صرح باسمه، وأسند له، مما يرفع حاله، لا سيما ولم يرو منكرًا.

فكيف إذا انضاف إلى ذلك رواية مالك له في موطئه، وهو الحجة في أهل المدينة، وكان من أشد الناس انتقادًا للرجال، فرواية مالك له في موطئه وهو مدني: توثيق له، فقد سأل بشرُ بنُ عمر الزهراني مالكَ بنَ أَنس عن رجل، فقال: "هل رأيته في كتبي؟ " قال: لا، قال: "لو كان ثقةً لرأيته في كتبي وفي رواية: "أترى في كتبي عنه شيئًا؟ لو كُنْتُ أرضاه رأيتَ في كتبي عنه قال النووي في شرح مسلم: "هذا تصريح من مالك - رَحِمَهُ اللهُ - بأن من أدخله في كتابه فهو ثقة، فمن وجدناه في كتابه حكمنا بأنه ثقة عند مالك، وقد لا يكون ثقة عند غيرها، وقال الذهبي في السير: "فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة، "ولا يلزم من ذلك أنَّه يروي عن كل الثقات، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه وهو عنده ثقة أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ؛ فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره؛ إلا أنَّه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال - رَحِمَهُ اللهُ -، وقال ابن الملقن في البدر المنير: "فهذا تصريح من هذا الإمام بأن كل من روى عنه في موطئه يكون ثقة"، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة: "ومن كان من أهل العلم ونصح نفسه: علم أن كل من وضعه مالك في موطئه وأظهر اسمه: ثقة، تقوم به الحجة" [مقدمة صحيح مسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>