وجدها ولم يسمعها، ولذا فإن رواية ابن قسيط أصح من رواية مخرمة، والله أعلم.
• فإن قيل: لم ينفرد بذلك مخرمة:
فقد رواه ابن وهب [ثقة فقيه]، قال: أخبرني حيوة بن شريح [التجيبي المصري: ثقة ثبت]، عن بكر بن عمرو، عن عبيد الله بن مِقسَم [مدني: ثقة]، أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، فقالوا: لا تقرؤوا [وفي رواية: لا تقرأ] خلف الإمام في شيء من الصلوات.
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (١/ ٢١٩)، وفي أحكام القرآن (١/ ٢٥١/ ٥٠٥).
قلت: لم أجد لعبيد الله بن مقسم رواية عن زيد بن ثابت إلا في هذا الأثر الواحد، وأثر آخر في القراءة أيضًا:
فقد روى بكر بن عمرو؛ أن عبيد الله بن مقسم أخبره؛ أن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال له: إذا صليت وحدك فاقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة سورة، وفي الركعتين الأخريين بأم القرآن، قال: فلقيت زيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، فقالا مثل ما قال ابن عمر".
أخرجه الطحاوي (١/ ٢١٠) بإسناد صحيح إلى بكر به.
وعبيد الله بن مقسم مشهور بالرواية عن جابر وابن عمر، وقد نص البخاري وأبو حاتم على سماعه من جابر [توفي بعد سنة (٧٠)]، وابن عمر [توفي سنة (٧٣)]، وأبي هريرة [توفي سنة (٥٩) أو قبلها] [التاريخ الكبير (٥/ ٣٩٧)، الجرح والتعديل (٥/ ٣٣٣)]، وروايته عن جابر في الصحيحين [البخاري (١٣١١)، مسلم (٩٦٠ و ١٩٣٥ و ٢٥٧٨)، وانظر فيما تقدم في سنن أبي داود (٥٩٩ و ٧٩٣)]، وروايته عن ابن عمر في صحيح مسلم (٢٧٨٨)، ولم يذكروا له رواية عن زيد، وزيد أقدم وفاة من أبي هريرة بنحو عشر سنين أو أقل، فسماع ابن مقسم منه مستبعد، لا سيما وقد تفرد بجمع هؤلاء الصحابة الثلاثة عن عبيد الله بن مقسم المدني: بكر بن عمرو المعافري المصري، وغيره من أهل المدينة يرويه عن جابر وحده.
وبكر بن عمرو المعافري المصري: روى عنه جماعة من ثقات المصريين، وقال أحمد: "يُروى عنه"، وقال أبو حاتم: "شيخ"، وقال الدارقطني: "يُعتبر به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس: "كانت له عبادة وفضل"، وقال ابن القطان: "ولا تُعلم عدالته، وإنما هو من الشيوخ الذين لا يعرفون بالعلم، وإنما وقعت لهم روايات أخذت عنهم، بنحو ذلك وصفه أحمد بن حنبل"، فذكر قوله وقول أبي حاتم فيه، وقال في موضع آخر: "لم تثبت ثقته في الحديث"، وعلى العكس من ذلك قال الذهبي في السير، ولم يُسبق إليه: "وكان ثقة ثبتًا، فاضلًا متألهًا، كبير القدر، إمام جامع الفسطاط"، والذهبي معروف بتوسعه في عبارات التعديل، وترجم له ترجمة مقتضبة جدًّا تدلل على عدم وفرة مصادر ترجمته، وأنه كما قال ابن القطان فيه، ولذا فإن قول الذهبي عنه في الميزان أقرب