وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - له أحوال في العبادة، فيفعل هذا مرة، وهذا مرة، لبيان الرخصة، ثمَّ يواظب على ما هو الأفضل، قال النوويّ في المجموع (٣/ ٤٠١): "وكان يفعل العبادة على نوعين أو أنواع ليبين الرخصة والجواز بمرة أو مرات قليلة، ويواظب على الأفضل بينهما على أنَّه المختار والأولى".
• هذا ما ثبت في الإقعاء المسنون، وأما الإقعاء المنهي عنه، ففيه أحاديث، منها:
١ - حديث عائشة:
رواه بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاةَ بالتكبير،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه: وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، وعن فِرشَة السَّبُع، وكان يختم الصلاة بالتسليم، عليه السلام.
أخرجه مسلم (٤٩٨)، وتقدم عند أبي داود برقم (٧٨٣).
وقد تأوله البيهقي بأنّه محمول على جلسة التشهد، فقال في السنن (٢/ ١٢٠) بعد حكاية كلام أبي عبيد في الإقعاء: "وهذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، وهذا منهي عنه، وما روينا عن ابن عباس وابن عمر مسنون، وأما حديث أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه كان ينهى عن عقب الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس للتشهد الأخير، فلا يكون منافيًا لما روينا عن ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين، والله أعلم".
وتأوله بعضهم أيضًا بذم من لا يغسل عقبيه في الوضوء، كما قاله ابن الأثير في النهاية (٣/ ٢٦٨)، قال: "وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء"، وفي الوعيد على عدم غسل العقبين أحاديث صحيحة كثيرة، راجع الحديث رقم (٩٧).
٢ - حديث أبي هريرة:
يرويه ليث بن أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد [وهما ضعيفان]:
عن مجاهد، عن أبي هريرة، قال: نهاني خليلي أن أُقْعِيَ كإقعاء القرد. لفظ ليث.
وفي رواية عن ليث، وعن يزيد بنحوه: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر، وركعتي الضحى، ونهاني عن الالتفات في الصلاة التفات الثعلب، وأقعي إقعاء القرد [وفي رواية يزيد: كإقعاء الكلب]، وأنقر نقر الديك [وفي رواية يزيد: عن نقرة كنقرة الديك].
وفي لفظ ليزيد: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقعي في صلاتي إقعاء الذئب على العقبين.
أخرجه أحمد (٢/ ٣١١ و ٤٩٩)، وابن أبي شيبة (١/ ٢٥٥/ ٢٩٣٢) و (٢/ ١٧٥/ ٧٨١٧)، والطحاوي في المشكل (١٥/ ٤٨٠/ ٦١٧٧)، والدارقطني في العلل (١٠/ ٧٢/ ١٨٧٦)، وفي الأفراد (٢/ ٣٢٩/ ٥٤٦٧ - أطرافه)، والبيهقيُّ (٢/ ١٢٠)، والشجري في الأمالي الخميسية (١/ ٣٤٤).