للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمَّ قال (١٦/ ٢٧٧): "من حمل الإقعاء على ما قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى خرج من الاختلاف، وهو أولى ما حمل عليه الحديث من المعنى، والله أعلم؛ لأنهم لم يختلفوا أن الذي فسر عليه أبو عبيدة الإقعاء لا يجوز لأحد مثله في الصلاة من غير عذر، وفي قول ابن عمر في حديثه المذكور في هذا الباب: إنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي، وأخبر أن ذلك ليس من سُنَّة الصلاة؛ دليل على أنَّه كان يكره ذلك لو لم يشتك، ومعلوم أن ما كان عنده من سُنَّة الصلاة لا يجوز خلافه عنده لغير عذر، فكذلك ما لم يكن من سُنَّة الصلاة لا يجوز عمله فيها من غير عذر، فدلّ على أن ابن عمر كان ممن يكره الإقعاء، فهو معدود فيمن كرهه، كما روي عن علي وأبي هريرة وأنس، إلا أن الإقعاء عن هؤلاء غير مفسر، وهو مفسر عن ابن عمر؛ أنَّه الانصراف على العقبين وصدور القدمين بين السجدتين، وهذا هو الذي يستحسنه ابن عباس، ويقول: إنه سُنَّة، فصار ابن عمر مخالفًا لابن عباس في ذلك".

إلى أن قال: "ومن جهة النظر أيضًا: قول ابن عباس: إن كذا وكذا سُنَّة إثبات، وقول ابن عمر: ليس بسُنَّة نفي، وقول المثبت في هذا الباب وما كان مثله أولى من النافي؛ لأنه قد علم ما جهله النافي، وعلى أن الإقعاء قد فسره أهل اللغة على غير المعنى الذي تنازع فيه هؤلاء، وهذا كله يشهد لقول ابن عباس".

قلت: سبق بيان عدم صحة هذا الحديث عن ابن عمر، وسبق بيان الجمع بين الآثار.

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٣/ ١٥٥): "وليس هذا معنى الحديث من الإقعاء، وتفسير أصحاب الحديث في عقبة الشيطان وفي الإقعاء واحد، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه، ويقعد مستوفزًا غير مطمئن إلى الأرض".

وقال ابن الأثير في النهاية (٣/ ٢٦٨): "وفيه: أنَّه نهى عن عقب الشيطان في الصلاة، وفي رواية: عن عقبة الشيطان، هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء، وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء".

وقال في موضع آخر (٤/ ٨٩): "فيه: أنَّه نهى عن الإقعاء في الصلاة، وفي رواية: نهى أن يقعي الرجل في الصلاة، الإقعاء: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض، كما يقعي الكلب، وقيل: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، والقول: الأوّل".

وقال النوويّ في شرح مسلم (٥/ ١٩): "والصواب الذي لا معدل عنه: أن الإقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض؛ كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي، والنوع الثاني: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس بقوله: سُنَّة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -".

<<  <  ج: ص:  >  >>