أخرجه البخاري (٨١٨)، وتقدم برقم (٨٤٣)، وفيه أنَّه لم يطِل في الاعتدال من الركوع، ولا في الرفع من السجود، إذ الهنية تطلق على الزمن اليسير، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن رجب (٥/ ١٣٢)].
• وإن قيل: هذا الذي تدعيه من طول الصلاة إذا تساوت الأركان بالقيام تصور غير صحيح لم يقع، فيقال: راجع ما وقع لشيخ الطحاوي أبي بكرة بكار بن قتيبة مع القاضي جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، حيث صلى خلفه صلاة العصر فلم يكد يفرغ منها حتى كاد أن يخرج وقت العصر، فأنكر ذلك عليه أبو بكرة، فاستدل له القاضي بهذا الحديث، فحجَّه أبو بكرة بحديث عثمان بن أبي العاص في التخفيف، والله أعلم [راجع شرح مشكل الآثار (١٣/ ٤٢)].
قلت: وهذا الذي ذهبتُ إليه من توهيم رواية هلال الوزان بذكر القيام والجلسة بعد السلام في حديث البراء، وأن المحفوظ رواية الحكم بن عتيبة المتفق عليها، وجدت من قال به من الأئمة، فهذا القاضي عياض في إكمال المعلم (٢/ ٣٨٦) بعد ما ذكر بعض أوجه التأويل لهذه الرواية، قال:"وهذا على تصحيح قوله: قيامه، وقد ذكر البخاري ومسلم هذا الحديث عن البراء، ولم يذكرا فيه القيام أولًا، وقال: كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الحديث، وزاد البخاري فيه: ما خلا القيام والقعود، وهذا - والله أعلم - أصح وأقرب إلى ما تقرر من صفة صلاته عليه السلام، وأن التقارب الذي ذُكِر كان في غير هذين الركنين، ودليل [آخر]: أنَّه لم يذكر في الحديث جلوسَ التشهد، فيكون ذكر القيام فيه أولًا وهمًا ممن رواه، والله أعلم".
وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٥٤) بعد رواية البخاري عن بدل بن المحبر: "معنى هذا: أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت متقاربةً في مقدارها، فكان ركوعه ورفعه من ركوعه، وسجوده ورفعه من سجوده: قريبًا من الاستواء في مقداره، وإنما كان يطيل القيام للقراءة والقعود للتشهد".
• وأما الجمع بين الروايتين الذي ذهب إليه النوويّ، حيث قال في الخلاصة (١٣٤١)، وكذا في شرحه على مسلم (٤/ ١٨٨) عن رواية الوزان: "وهذه الرواية محمولة على بعض الأحوال، ورواية البخاري هي المعروف في غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم -"، فهو جمع غير مقبول؛ لاتحاد المخرج حيث اختلف فيه الحكم بن عتيبة وهلال الوزان على ابن أبي ليلى، ولو كان الاختلاف على الصحابي نفسه لكان ذلك الجمع محتملًا، كما سبق أن جمعنا قريبًا بين رواية عبيد بن الحسن، ورواية مجزأة بن زاهر عن ابن أبي أوفى [في الحديث المتقدم برقم (٨٤٦)].
• وأما قول ابن الجوزي في كشف المشكل (٢/ ٢٣٥) عن رواية الوزان: "وإنما تساوت هذه الأحوال لاختصار القيام وتطويل التسبيح والذكر"، وقول النوويّ في شرح مسلم (٤/ ١٨٨): "فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع