والسجود وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود ونحو هذا"، وبه قال قبله القاضي عياض في إكمال المعلم (٢/ ٣٨٦).
وذهب فيه القاضي عياض إلى تأويل آخر، وهو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل في القراءة في أول الأمر، ثمَّ خفف القيام بعد ذلك حتى كاد يستوي مع هذه الأركان الأربعة، وهو آخر عمله في الصلاة، واحتج في ذلك بحديث جابر بن سمرة قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا [أخرجه مسلم (٤٥٨)، وتقدم تحت الحديث رقم (٧٩٤)]، وتبعه على ذلك جماعة، ولا يستقيم لهم الاستدلال به لكون المراد: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل في الفجر ما لا يطيل في غيرها، بدليل حديث جابر الآخر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر بـ {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، وفي العصر نحوَ ذلك، وفي الصبح أطولَ من ذلك، وفي رواية: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دَحَضَتِ الشمسُ صلَّى الظهرَ، وقرأ بنحوٍ مِن:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، والعصر كذلك، والصلوات كذلك إلا الصبح فإنَّه كان يُطيلُها [تقدم برقم (٨٠٦)، وقد أخرجه مسلم (٤٥٩)] [وانظر فيمن نقل هذا عن القاضي عياض: المفهم للقرطبي (٢/ ٨٠) وغيره].
كما أن هذا التأويل مردود بالنص فقد روت أم الفضل بنت الحارث أن سورة المرسلات هي آخر ما سمعتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب [متفق عليه، وتقدم برقم (٨١٠)]، وهناك أدلة أخرى على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل القراءة في آخر حياته.
وذهب بعضهم أيضًا في تأويل رواية الوزان إلى أن معناه أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت معتدلة، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود [انظر: زاد المعاد (١/ ٢١٨)، الفتح لابن حجر (٢/ ٢٨٩)].
قلت: إنما نحتاج لهذه التأويلات إذا ثبت هذا من طريق مستقل، ولم تقع المعارضة في رواية الوزان للحكم بن عتيبة، هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن هذا لا يُقبل أيضًا لأجل اشتماله على صيغة تدل على العموم والمداومة على هذا الفعل، ومن ثمَّ يقع نفس الإشكال السابق ذكره، والله أعلم.
وهذه الرواية قد أشكلت على بعض أهل العلم، فاحتاج فيها إلى شيء من البيان، لكن وقع له فيه شيء من التناقض بسبب قبول الروايتين المتعارضتين مع اتحاد مخرجهما، والذي يلزم منه رد أحدهما في هذا الموضع، فهذا النوويّ مثلًا يقول في شرحه على مسلم (٤/ ١٨٨) بعد الكلام السابق ذكره: "وقوله: قريبًا من السواء؛ يدلّ على أن بعضها كان فيه طول يسير على بعض، وذلك في القيام، ولعله أيضًا في التشهد، واعلم أن هذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر بـ السجدة، وأنه كان تقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثمَّ يرجع فيتوضأ ثمَّ يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى، وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر موسى وهارون، وأنه قرأ في المغرب بالطور