للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التحصيل (٢٩٤) وعبد الله بن أبي نجيح: سمع من مجاهد [التاريخ الكبير (٥/ ٢٣٣)]، وإنما أرسل عنه التفسير، أخذه عن القاسم بن أبي بزة [التهذيب (٢/ ٤٤٤) لكن قوله هنا: "قال مجاهد"، يشعر بعدم سماعه من مجاهد، وابن أبي نجيح: مكي ثقة، إلا أن الأعمش أحفظ منه وأوسع منه رواية، وقد زاد في الإسناد رجلًا، وهي زيادة من ثقة حافظ فتقبل.

إلا أن الأعمش لم يصرح بسماعه من مجاهد، وقد تقدم الكلام على سماع الأعمش من مجاهد عند الحديث رقم (٤٨٩)، والضابط فيه: أن نقبل ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد -من طريق صحيح ثابت عنه-، وطرح ما سوى ذلك؛ فغنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد؛ فإنه لا يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، لا يثبت منها إلا ما قال فيها: "سمعت"، فهو قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد: مدلَّس عن الضعفاء والمتروكين.

وهذا الحديث مما لم يصرح فيه الأعمش بالسماع، فهو مدلَّس عن الضعفاء، كما قال الأئمة، ولا يُقبل من حديثه عن مجاهد إلا ما قال فيه: سمعت، وعليه: فلا يثبت مثله؛ لاحتمال أن يكون الأعمش دلسه عن مثل: الحسن بن عمارة وحكيم بن جبير، وقد تفرد به عن الأعمش: سفيان بن عيينة، ولم يكن من أصحاب الأعمش المكثرين عنه، وهو من صغار من روى عنه من الثقات، والله أعلم.

ومع ذلك فإن رواية الأعمش هذه قد توبع عليها، مما يشهد بأن لها أصلًا، لكن لا أستطيع القول بأن رواية الأعمش تعضد رواية ابن أبي ليلى بحيث تصير من قبيل الحسن لغيره، وذلك بسبب سوء حفظ ابن أبي ليلى، وكثرة أوهامه وأغلاطه وتخليطه واضطرابه، ورواية وكيع أمارة على ذلك، إضافة إلى احتمال كون الأعمش أخذه عن أحد المتروكين الذين لا يعتبر بحديثهم، فتصبح رواية ابن أبي ليلى بلا متابع، والله أعلم.

أضف إلى ذلك: أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لا يُعرف له سماع من أبي ذر، واختلف في سماعه من عثمان بن عفان، فنفاه ابن معين [في رواية يعقوب بن شيبة عنه]، فقال: "عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يسمع من عمر، ولا من عثمان، وقد سمع من علي" [تاريخ دمشق (٣٦/ ٨٨)]، وأثبته البخاري في التاريخ الكبير (٥/ ٣٦٨)؛ فإن قيل: المثبت مقدم على النافي لما معه من زيادة علم، فيقال: اختلافهم في سماعه من عثمان يقوي القول بعدم سماعه من أبي ذر، لعدم وجود دلائل قوية على هذا السماع؛ فإن ابن أبي ليلى كان له من العمر عند وفاة أبي ذر: قرابة خمسة عشر عامًا، فقد توفي أبو ذر سنة (٣٢ هـ) في خلافة عثمان، فإن قيل: لكن ذلك معارض بما روي عن ابن خراش أنه قال: "سمع من أبي ذر، وما أظنه سمع من معاذ شيئًا" [تاريخ دمشق (٣٦/ ٨٨) فيقال: ابن خراش رافضي متكلم في ضبطه وعدالته، ألف في الطعن علي الشيخين، ووصل مراسيل، ورفع

<<  <  ج: ص:  >  >>