عن إمامنا، وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم من التابعين، قاله الترمذي، وبه يقول الثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وكثير من أهل المشرق.
وقال مالك: أفضل التشهد تشهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ... ؛ لأن عمر قاله على المنبر بمحضر من الصحابة وغيرهم؛ فلم ينكروه، فكان إجماعًا.
وقال الشافعي: أفضل التشهد ما روى ابن عباس، ....
ولنا ما روى عبد الله بن مسعود، قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن:
قال الترمذي: حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه، وهو أصح حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، وقد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن عمر وجابر وأبو موسى وعائشة، وعليه أكثر أهل العلم فتعين الأخذ به وتقديمه.
فأما حديث عمر فلم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما هو من قوله، وأكثر أهل العلم على خلافه، فكيف يكون إجماعًا، على أنه ليس الخلاف في إجزائه في الصلاة، إنما الخلاف في الأولى والأحسن، والأحسن تشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي علمه أصحابه وأخذوا به، وأما حديث ابن عباس فانفرد به، واختلف عنه في بعض ألفاظه،
ثم رواية ابن مسعود أصح إسنادًا، وأكثر رواةً، وقد اتفق على روايته جماعة من الصحابة، فيكون أولى، ثم هو متضمن للزيادة، وفيه العطف بواو العطف، وهو أشهر من كلام العرب، وفيه السلام بالألف واللام، وهما للاستغراق.
وقال عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: حدثنا عبد الله بن مسعود؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه التشهد في الصلاة، قال: وكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن، الواو والألف، وهذا يدل على ضبطه، فكان أولى.
فصل: وبأي تشهُّدٍ تشهَّدَ مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز، نص عليه أحمد، فقال: تشهد عبد الله أعجب إليَّ، وإن تشهد بغيره فهو جائز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما علمه الصحابة مختلفًا دل على جواز الجميع، كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف".
وزاد ابن دقيق العيد مسألة التفضيل بالعطف إيضاحًا، فقال في إحكام الأحكام (٢/ ٦٩): "واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناءً مستقلًا، وإذا أسقطت واو العطف كان ما عدا اللفظ الأول صفة له، فيكون جملة واحدة في الثناء، والأول أبلغ، فكان أولى".
• وقيل في سبب اختيار الشافعي لتشهد ابن عباس: لأن إسناده حجازي، وإسناد تشهد ابن مسعود كوفي، وهو يقدِّم حديث أهل الحجاز على حديث أهل الكوفة، ولأن تشهد ابن عباس زاد: المباركات، ولأنه أقرب إلى لفظ القرآن، قال الله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١]، ولأن ابن عباس كان حدثًا، فيكون متأخرًا عن