للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° قلت: تقدم الرد على ذلك، وأن الحجة هي في قول ذي اليدين الثاني: بل نسيت يا رسول الله، وأما الصحابة: فكان بإمكانهم أن يجيبوا بالإشارة والإيماء لا بصريح العبارة، فلما أجابوا بصريح العبارة، كانوا في ذلك في معنى ذي اليدين: تكلموا جميعًا عامدين لمصلحة الصلاة، وبقدر الضرورة، فلم تبطل صلاتهم، ولم يؤمروا بالإعادة.

• وأما العراقيون: أبو حنيفة وأصحابه والثوري، فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة يفسدها، على أي حالٍ كان سهوًا أو عمدًا، لصلاح الصلاة كان أو لغير ذلك [التمهيد (١/ ٣٥١)].

وقد قال بقول الشافعي وأحمد في استثناء الإمام دون المأموم، وأن المأموم تبطل صلاته بكل حال إذا تكلم وهو يعلم أنه لم يزل في صلاة: ابن خزيمة، وابن المنذر [الأوسط (٣/ ٢٣٥)].

وقال أبو عوانة (١/ ٥١٣): "والطاعن في هذا الحديث يحتج أيضًا: بأن الكلام منسوخ في الصلاة، وأنه يعيد الصلاة إذا كان ذلك منه مثل ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وليس كما يقول؛ إذ حظر الكلام في الصلاة إذا تعمد، وقد كان مباحًا فنسخ بمكة، وما ذكر من حديث ذي اليدين كان بالمدينة؛ فلا ينسخ الأولُ الآخرَ، والذي يجب: اتباع الحديثين كلاهما في العمد على إعادة الصلاة؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن مما أحدث الله أن لا يتكلموا في الصلاة وقال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"، فإذا تكلم في صلاته عمدًا ولم يعلم أنه لا يجوز، أو أخطأ المتكلم بعد ما يستيقن أنه قد أتم الصلاة ولم يتمها من إمام أو مأموم، أو المأموم إذا ذكَّر الإمامَ بكلامه، أو إجابة الإمام على ما أجابوا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه مباحٌ له أن يبني على صلاته، ولا يكون عليه إعادة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نسيت فذكروني".

قلت: وهو الصواب، فإن قيل: التذكير المأمور به هنا قد بينه في حديث أبى هريرة وسهل بن سعد المتفق عليهما: "فليسبح الرجال، وليصفق النساء فيقال: إذا لم ينتبه الإمام إلى مراد المأموم من التسبيح وأشكل عليه تسبيحه، والتبس عليه الحال، لم يكن بد حينئذ من التذكير بالكلام لإصلاح الصلاة، فهو داخل في عموم التذكير، وإلا فسدت الصلاة لا سيما مع فشو الجهل.

وقال ابن حبان (٦/ ٤٠٦): "أخبار ذي اليدين معناها: أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تكلم في صلاته على أن الصلاة قد تمت له، وأنه قد أدَّى فرضه الذي عليه، وذو اليدين قد توهم أن الصلاة قد ردت إلى الفريضة الأولى، فتكلم على أنه في غير الصلاة، وأن صلاته قد تمت، فلما استثبت - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، كان من استثباته على يقين أنه قد أتم صلاته، وأما جواب الصحابة رضوان الله عليهم له أن: نعم، فكان الواجب عليهم أن يجيبوه، وإن كانوا في نفس الصلاة، لقول الله جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، فأما اليوم فقد انقطع الوحي، وأقرت الفرائض، فإن تكلم الإمام وعنده أن

<<  <  ج: ص:  >  >>