الصلاة قد تمت بعد السلام لم تبطل صلاته، وإن سأل المأمومين فأجابوه بطلت صلاتهم، وإن سأل بعض المأمومين الإمام عن ذلك، بطلت صلاته لاستحكام الفرائض، وانقطاع الوحي، والعلة في سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث معلمًا قولًا وفعلًا، فكانت الحال تطرأ عليه في بعض الأحوال، والقصد فيه إعلام الأمة ما يجب عليهم عند حدوث تلك الحالة بهم بعده - صلى الله عليه وسلم -".
قلت: وهذا بيِّنٌ في وقوع ذلك له - صلى الله عليه وسلم -، لكي يكون تشريعًا للأمة بعده، إذا سها الإمام فسلم قبل أن يفرغ من صلاته ظانًا أنه قد فرغ منها، فإن تكلم الإمام على هذا الحال لم تبطل صلاته، حتى يستيقن أنه قد سها؛ فإذا استيقن لم يجز له التمادي، ووجب عليه البناء على ما صلى، وكذلك المأمومون إذا تكلموا بقدر الحاجة لإصلاح الصلاة، كما فعل ذو اليدين في قوله: بل نسيت يا رسول الله، وقد علم أنه في صلاة، ولم يؤمر بالإعادة، وأما الصحابة فكان يكفيهم الإجابة بالإشارة والإيماء دون صريح العبارة؛ فلما أجابوا بصريح العبارة، كانوا في ذلك في معنى ذي اليدين.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١/ ٣٤٣): "وفيه أيضًا دليل على: أن الكلام في الصلاة إذا كان فيما يصلحها، وفيما هو منها؛ لا يفسدها، عمدًا كان أو سهوًا؛ إذا كان فيمايصلحها،. . .
وفيه: أن من تكلم في الصلاة وهو يظن أنه قد أتمها، وهو عند نفسه في غير صلاة؛ أنه يبني، ولا تفسد صلاته"، ثم نقل كلام مالك فيما رواه عنه أصحابه.
ثم قال بعد كلام طويل في هذه المسألة (١/ ٣٦٩): "وقد تدخل على أبى حنيفة وأصحابه مناقضة في هذا الباب؛ لقولهم أن المشي في الصلاة لإصلاحها عامدًا جائزٌ، كالراعف ومن يجرى مجراه عندهم؛ للضرورة إلى خروجه وغسل الدم عنه ووضوئه عندهم، وغير جائز فعل مثل ذلك في غير إصلاح الصلاة وشأنها، فكذلك الكلام يجوز منه لإصلاح الصلاة وشأنها ما لا يجوز لغير ذلك؛ إذ الفعلان منهي عنهما، والله أعلم".
وقال النووي في المجموع (٤/ ٩٥): "مذهبنا ومذهب جمهور العلماء: أنه تبطل الصلاة، وقال الأوزاعي: لا تبطل، وهي رواية عن مالك وأحمد".
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٤٦١) بعد حديث معاوية بن حديج [ولا يثبت]: "فهذا يدل على أن إقامة الصلاة لا يبطلها، وفيها الحيعلتان، ويزيد على الأذان بقوله: قد قامت الصلاة أيضًا؛ ولهذا بنى على ما مضى من صلاته هو ومن صلى معه، وهذا قد يبني على أصول مالك وأحمد - في رواية عنه - على قوليهما: إن كلام العامد في الصلاة لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة".
وانظر: الأوسط لابن المنذر (٣/ ٢٩٢)، سنن البيهقي (٢/ ٣٦٤)، القبس في شرح الموطأ (١/ ٢٤٧)، المسالك في شرح الموطأ لابن العربي (٢/ ٤٠٦ و ٤١٤)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢١/ ١٦٤)، رياض الأفهام للفاكهاني (٢/ ٣٦٢)].