فقال بعضهم: لا بد أن يحدث إحرامًا يجدده لرجوعه إلى تمام صلاته، وإن لم يفعل لم يجزه.
وقال بعضهم: ليس ذلك عليه، وإنما عليه أن ينوي الرجوع إلى تمام صلاته، فإن كبر لرجوعه فحسن؛ لأن التكبير شعار حركات المصلي، وإن لم يكبر فلا شيء عليه؛ لأن أصل التكبير في غير الإحرام إنما كان لإمام الجماعة، ثم صار سنة بمواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقي الله،. . .
وإنما قلنا أنه إذا نوى الرجوع إلى صلاته ليتمها فلا شيء عليه، وإن لم يكبر؛ لأن سلامه ساهيًا لا يخرجه عن صلاته، ولا يفسدها عليه عند الجميع، وإذا كان في صلاة يبني عليها، فلا معنى للإحرام ها هنا؛ لأنه غير مستأنف لصلاته، بل هو متمٌ لها، بانٍ فيها، وإنما يؤمر بتكبيرة الإحرام المبتدئ وحده، وبالله التوفيق" [وانظر: شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٢١٨)، الاستذكار (١/ ٥٥٤)، إكمال المعلم (٢/ ٥٢٠)، المفهم للقرطبي (٢/ ١٩٠)، رياض الأفهام للفاكهاني (٢/ ٣٤٥ و ٣٦٠)].
قلت: البناء بغير تكبير هو الموافق لظاهر الحديث، ففي روايةٍ: فرجع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه، فصلى الركعتين الباقيتين، وفي أخرى: فجاء فصلى ما كان ترك، وفي أخرى: فتقدم فصلى ما ترك، لم ينقل أنه كبر لإتمام الركعتين، فإن كبر للإتيان بتكبيرة الانتقال التي لم يأت بها، فلا بأس، والله أعلم.
ومنها أيضًا: أن حديث ذي اليدين يصلح دليلًا على أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوا؛ فإنها لا تبطل الصلاة [انظر مثلًا: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٢٨١)].
ومنها أيضًا: جواز تشبيك الأصابع في المسجد، وبه احتج البخاري على الإباحة أراجع الحديث المتقدم برقم (٥٦٢)].
قال ابن حجر في الفتح (٣/ ١٠١): "وفيه: العمل بالاستصحاب؛ لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام، فسأل مع كون أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - للتشريع، والأصل عدم السهو والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا، والسرعان هم الذين بنوا على النسخ، فجزموا بأن الصلاة قصرت، فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام".
وانظر: معالم السنن (١/ ٢٠٣)، شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٢١٨ - ٢٢٦)، الحاوي للماوردي (٢/ ١٨٣)، المحلى (٤/ ٥)، شرح السُّنَّة (٣/ ٢٩٣)، المسالك في شرح الموطأ لابن العربي (٢/ ٤٠٢ - ٤١٦)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٩٥)، شرح النووي على مسلم (٥/ ٧١)، الفتح لابن رجب (٤/ ٢٣٩) و (٦/ ٤٧٣ و ٤٨٣)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٢٤٠ - ٢٩٢)، الفتح لابن حجر (٣/ ١٠١). وغيرها كثير.