قلت: قد صحح ذلك موقوفًا على: عمر بن الخطاب، وروي عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، ولا يصح عنهم، وقال ابن تيمية وابن رجب بأنه لا يعرف عن صحابي خلاف ذلك [مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٠٩)، الفتح لابن رجب (٢/ ٢٩١)، [وقد تكلمت عن هذه الأحاديث والآثار في مسائل الفقه، كما ذكرت آنفًا] [وانظر مثلًا فيمن تكلم في الاستدلال على القبلة بالمشرق والمغرب، أو بالجدي والنجوم: الموافقات (٢/ ٩٠)، الفروق للقرافي (٢/ ٢٦٧) الفرق الخامس والتسعون، مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٠٧ - ٢١٦)، الفتح لابن رجب (٢/ ٢٨٩ - ٢٩٧)].
* ومن فقه حديث الباب:
قال الترمذي (٣٤٥) بعد حديث عامر بن ربيعة: "وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا صلى في الغيم لغير القبلة، ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة؛ فإن صلاته جائزة، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق" [وانظر مثلًا: مسائل أحمد لابنه عبد الله (٢٤٥ و ٢٤٦)، مسائل الكوسج (٢٨٦ و ٤٩٢)، مسائل حرب الكرماني (١/ ٥٣٦)، مسائل أبي داود (٣٢٢)].
قلت: يعني في السفر، وأما في الحضر فإنه يستدل على القبلة بسؤال الناس، وبالمحاريب في المساجد.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٧/ ٥٤): "وأجمع العلماء أن القبلة التي أمر اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم هي: الكعبة البيت الحرام بمكة، وأنه فرض على كل من شاهدها وعاينها استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها أو عالم بجهتها فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى كذلك، وأجمعوا على أنه من صلى إلى غير القبلة من غير اجتهاد حمله على ذلك أن صلاته غير مجزئة عنه، وعليه إعادتها إلى القبلة، كما لو صلى بغير طهارة، وفي هذا المعنى حكم من صلى في مسجد يمكنه طلب القبلة فيه بالمحراب وشبهه فلم يفعل وصلى إلى غيرها، وأجمعوا أن على كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها، وعلى أن على من خفيت عليه ناحيتها الاستدلال عليها بكل ما يمكنه من النجوم والجبال والرياح وغير ذلك، مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها، وفي حديث هذا الباب: دليل على أن من صلى إلى القبلة عند نفسه باجتهاده ثم بان له وهو في الصلاة أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب أنه ينحرف ويبني" [وأعاده في الاستذكار (٢/ ٤٥٥)].
ثم قال (١٧/ ٥٧): "النظر في هذا الباب يشهد: أن لا إعادة على من صلى إلى القبلة عند نفسه مجتهدًا؛ لخفاء ناحيتها عليه؛ لأنه قد عمل ما أمر به، وأدى ما افترض عليه، من اجتهاده بطلب الدليل على القبلة، حتى حسب أنه مستقبلها، ثم لما صلى بان له خطؤه، وقد كان العلماء مجمعين على أنه قد فعل ما أبيح له فعله، بل ما لزمه، ثم اختلفوا في إيجاب القضاء عليه إذا بان له أنه أخطأ القبلة، وايجاب الإعادة إيجاب فرض، والفرائض لا تثبت إلا بيقين لا مدفع له".