الأقرب للصواب، ثم إن عطاء نسي بعد ذلك فحدث به على التوهم، كما أنه فهم منه خلاف ما عليه الناس في هذه المسألة، وعطاء قد حكي عنه أنه تغير في آخر عمره، ومنصور بن زاذان أقدم وفاة من الأعمش وابن جريج بقرابة عشرين سنة، فروايته عندي هي الأقرب للصواب، والله أعلم.
وقد أشكلت رواية ابن جريج هذه على أهل العلم، فقال ابن عبد البر في التمهيد (١٠/ ٢٦٨): "فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع، وروي عنه أيضًا أنه يجزيه وإن لم يصل غير صلاة العيد، ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر، وحكى ذلك عن ابن الزبير، وهذا القول مهجور"، ثم قال بعد كلام طويل:"ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة، وأي الأمرين كان؛ فإن ذلك أمر متروك مهجور، وإن كان لم يصلِّ مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول؛ لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يَسقط أحدُهما بالآخر، فكيف أن يَسقط فرضٌ لسنةٍ حضرت في يومه، هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم، وإن كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة فقد صلى الجمعة في غير وقتها عند أكثر الناس" [وانظر: الاستذكار (٢/ ٣٨٥)].
قلت: رواية منصور تزيل الإشكال وترفع اللبس، فإن رواية الإثبات مقدمة على رواية النفي، والنفي قد يكون سببه الوهم والنسيان من قِبَل عطاء نفسه، بخلاف الإثبات، لا سيما مع تقدم سن منصور راويه عن عطاء.
وعليه: فإن المحفوظ عندي عن عطاء: أن ابن الزبير صلى بهم العيد، ثم صلى بهم الظهر أربعًا، فلم يسقط الفريضة، وإنما صلاها ظهرًا.
• ولحديث ابن الزبير هذا طريق آخر بإسناد صحيح ليس فيه نفي صلاة ابن الزبير فيما بين العيد والعصر، وإنما غاية ما فيه أن ابن الزبير لم يصلِّ بالناس الجمعة، ويمكن الجمع بينهما بأنه امتنع أولًا من الخروج للجمعة، فلما علم الناس أنه لا جمعة في هذا اليوم خرج فصلى بهم الظهر أربعًا، والله أعلم.
* فقد روى يحيى بن سعيد القطان، وسُلَيم بن أخضر، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان [وهم ثقات]:
قال القطان: حدثنا عبد الحميد بن جعفر [مدني، صدوق]، قال: حدثني وهب بن كيسان [مولى الزبير بن العوام: مدني، ثقة، سمع ابن الزبير]، قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخَّر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ركعتين، ولم يصلِّ للناس يومئذ الجمعة، فعاب ذلك عليه ناسٌ من بني أمية بن عبد شمس، فذُكر ذلك لابن عباس - رضي الله عنهما -، فقال: أصاب السُّنَّة، فذُكر ذلك لابن الزبير - رضي الله عنهما -، فقال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، واجتمع على عهده عيدان، فصنع هكذا.