لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق، فجوَّزاها قبل الزوال، قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها، أو فوت التبكير إليها، وقوله: نتتبع الفيء؛ إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه، وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير، وقوله: وما نجد فيئًا نستظل به؛ موافق لهذا فإنه لم ينف الفيء من أصله، وإنما نفى ما يستظل به، وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به".
وقال في المجموع (٤/ ٤٣١): "والجواب عن حديث سلمة: أنه حجة لنا في كونها بعد الزوال؛ لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء، وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار، وهذا معنى قوله: وليس للحيطان ظل يستظل به؛ فلم ينفِ أصل الظل، وإنما نفى كثيره الذي يستظل به، وأوضح منه الرواية الأخرى: نتتبع الفيء، فهذا فيه تصريح بوجود الفيء، لكنه قليل، ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس، ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل".
وقال ابن دقيق العيد في الأحكام (٢/ ١١٨): "وقوله: وليس للحيطان فيء يستظل به؛ لا ينفي أصل الظل؛ بل ينفي ظلًا يستظلون به، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، ... ، فالمراد ظل يكفي أبدانهم للاستظلال، ولا يلزم من ذلك وقوع الصلاة ولا شيء من خطبتيها قبل الزوال".
وانظر أيضًا: الفتح لابن حجر (٧/ ٤٥٠).
* * *
١٠٨٦ - . . . سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كنا نقِيلُ ونتغدَّى بعد الجمعة.
* حديث صحيح، وهو متفق عليه من حديث أبي حازم عن سهل
أخرجه البخاري (٦٢٧٩)، وأبو عوانة (٦/ ٩٨/ ٦١٩٠ - إتحاف)، والدارقطني (٢/ ٢٠)، والخطيب في تاريخ بغداد (٧/ ٣٩٩).
رواه عن سفيان الثوري: محمد بن كثير العبدي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد.
• وله طرق أخرى عن أبي حازم:
١ - رواه عبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وعلي بن حجر، ومحمد بن الصباح، وإبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعبد الله بن عمران العابدي [وهم ثقات]: