لكن قال ابن المديني:"حديث أبي رفاعة: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على كرسي من حديد؛ رواه سليمان بن المغيرة عن أبي هلال [لعلها تحرفت عن ابن هلال] عن أبي رفاعة، ولم يلق عندي أبا رفاعة" [العلل (١٣٨)، التهذيب (١/ ٥٠٠)، تحفة التحصيل (٨٥)].
وهذا الحديث رواه عن سليمان بن المغيرة، فقال في صيغة الأداء: قال، ولم يذكر عنعنةً ولا سماعًا: عبد الرحمن بن مهدي، وابن المبارك، وشيبان بن فروخ، وعفان بن مسلم، وبهز بن أسد، وعاصم بن علي.
ورواه بالعنعنة: أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار.
وهذا مما يجعل النفس لا تطمئن لثبوت سماع هلال بن حميد من أبي رفاعة، كما أني لم أقف على ما يدل على ثبوت اللقاء أو السماع بوجه من الوجوه، وعلى هذا فإن ظاهر هذه الرواية الإرسال، والحكاية لا الرواية، ومن رواه بالعنعنة تسهل وتخفف من ألفاظ التحمل، وأن الصيغة التي جاء بها الحديث هي التي رواه بها جماعة الثقات، وهي قول حميد بن هلال: قال أبو رفاعة، وهذا ظاهره الإرسال والحكاية، وأنه يحكي واقعة لم يدركها.
ويزيد ذلك تأكيدًا أن أبا رفاعة العدوي قتل بكابل سنة أربع وأربعين [قاله ابن عبد البر. تاريخ خليفة بن خياط (٢٠٦)، الاستيعاب (٤/ ١٦٥٨)، التهذيب (٤/ ٥٢٢)]، وأما حميد بن هلال فإنه مات في آخر ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق، قال ابن حبان:"وولي خالد على العراق سنة ست ومائة، وعزل سنة عشرين ومائة" [طبقات ابن سعد (٧/ ٢٣١)، طبقات خليفة بن خياط (١٧٥٠)، أنساب الأشراف (١١/ ٢٩٦)، الجعديات (١١٧٠)، الثقات (٤/ ٤٩) و (٤/ ١٤٧) و (٥/ ٤٣٤) و (٧/ ٤٩٤)].
وعلى هذا يكون بين وفاتيهما قرابة (٧٦) سنة، وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن المديني من أن حميد بن هلال لم يلق أبا رفاعة، فتكون روايته عنه مرسلة، والله أعلم.
كذلك فقد أثبت يحيى بن معين والبخاري وأبو داود سماع حميد بن هلال من أنس بن مالك، وأثبت له ابن معين وأبو داود السماع من عبد الله بن مغفل [تاريخ ابن معين للدوري (٤/ ١١٧/ ٣٤٤٨)، التاريخ الكبير (٢/ ٣٤٦)، سؤالات الآجري (٤/ ق ١٠)]، وروايته عن أنس وابن مغفل في صحيح البخاري (١٢٤٦ و ٣٢١٤ و ٣١٥٣)، وأنس توفي بعد سنة (٩٠)، وابن مغفل توفي سنة (٥٧) وقيل بعدها، وهذا أيضًا مما يؤكد استبعاد سماع حميد من أبي رفاعة، لتقدم وفاته.
وحميد بن هلال: ممن لا يوثق بمراسيله، قال ابن سيرين:"كان أربعة يصدِّقون من حدثهم: أبو العالية، والحسن، وحميد بن هلال، ورجل آخر سماه"، وفي رواية أخرى:"كان الحسن وأبو العالية وحميد بن هلال: يصدِّقون من حدثهم، ولا يبالون ممن سمعوا"