وذكر الخلال في علله أن أحمد قال:"لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان؛ لأنه مات قديمًا" [الإمام (١/ ٥٥٨)، نصب الراية (١/ ١٦٥)، إكمال التهذيب (٤/ ٣٠٦)، التهذيب (٣/ ٥١)].
• وأما أبو حاتم والحربي؛ فقد قال ابن حجر في التهذيب (٣/ ٥١): "وقال أبو حاتم والحربي: لم يسمع من ثوبان".
ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر قد نقل جُلَّ مادته العلمية التي زادها على تهذيب المزي من إكمال مغلطاي، فإذا رجعنا إلى الإكمال (٤/ ٣٠٥ - ٣٠٦) وجدنا مغلطاي قد نقل كلام أبي إسحاق الحربي من كتابه العلل، ثم أتبعه بما جاء في علل الخلال عن الإمام أحمد، ثم قال:"وفي المراسيل لابن أبي حاتم عنه: لم يسمع منه" وهذا ظاهر في كون الضمير الأول إنما يرجع إلى الإمام أحمد، يعني: وفي المراسيل لابن أبي حاتم عن أحمد، لكن ذهل ابن حجر عن هذا، وظن أن الضمير راجع إلى أبي حاتم فنسب إليه هذا القول، ولم أجده لا في المراسيل، ولا في الجرح والتعديل، ولا في العلل، ولم ينقل ابن أبي حاتم في هذا عن أبيه شيئًا، وإنما الذي في المراسيل (٢٠٧): "أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال: قال أحمد -يعني: ابن حنبل-: راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان".
وعليه: فلا تصح نسبة هذا القول إلى أبي حاتم.
• وأما أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي: فهو من أصحاب الإمام أحمد، صحبه عشرين سنة، ونقل عنه مسائل [طبقات الحنابلة (١/ ٢١٨)، تاريخ بغداد (٦/ ٢٧)، السير (١٣/ ٣٥٦)]، فلا يبعد أن يكون أخذ هذا القول عنه، لا سيما وهو تفسير لقول الإمام أحمد من رواية الخلال، يقول الحربي:"لم يسمع راشد بن سعد من ثوبان؛ لأن ثوبان توفي سنة أربع وخمسين، وراشد توفي سنة ثلاث عشرة ومائة، وبين موتيهما تسع وخمسون سنة" [الإكمال (٤/ ٣٠٦)].
وعلى هذا فإن القول بأن راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان: إنما هو قول الإمام أحمد وحده، وتبعه عليه تلميذه أبو إسحاق الحربي.
قال مغلطاي بعد حكاية كلامهما:"وفيه نظر، من حيث قول أبي داود والبخاري: "أدرك صفين وذهبت عينه بها"، فإذا كان بصفين رجلًا مقاتلًا، كيف لا يسمع ممن توفي بعد صفين بسبعة عشر عامًا، ولهذا [فـ] إن البخاري لم يعتد بها، وصرح بسماعه منه".
قلت: روى البخاري في التاريخ الكبير (٣/ ٢٩٢)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (١٧/ ٤٥١):
من طريق حيوة بن شريح: نا بقية، قال: سمعت صفوان بن عمرو السكسكي، قال: ذهبت عين راشد بن سعد يوم صفين.