• وأما قول ابن حجر في الدراية:"وضعفه البيهقي": فغير مُسلَّم؛ فإنما ادعى البيهقي في هذا الحديث وغيره مما جاء فيه المسح على العمامة ادعى وقوع الاختصار من جهة الراوي، يعني بذلك أن الراوي لم يذكر فيه مسح الرأس مع العمامة، وليس هذا بتضعيف للحديث، كما هو ظاهر، ونص كلام البيهقي بعدما ذكر أدلة إيجاب مسح الرأس لهان كان متعممًا، قال:"ففي كل ذلك مع ظاهر الكتاب: دلالة على اختصار وقع من جهة الراوي في الحديث ... "، ثم ذكر أحاديث هذا منها، وبعضها في صحيح مسلم [سنن البيهقي (١/ ٦٢)].
وأما قوله:"وقال البخاري: حديث لا يصح": فلم أقف عليه في مصادره، لا في التواريخ للبخاري، ولا في علل الترمذي، ولا في سنن البيهقي، فلا يُعوَّل عليه حتى يثبت.
لكن يبدو لي -والله أعلم- أن ابن حجر كان يعلق على سنن أبي داود، ومما علق: أحكام الإمام البخاري في تاريخه، وأبو داود قد أتبع هذا الحديث الذي نحن بصدده (١٤٦)، بحديث أبي معقل عن أنس في المسح على العمامة، وقد أخرجه البخاري في تاريخه (٦/ ٢٨)، وقال:"ولم يصح".
فلعل الحافظ ابن حجر انتقل بصره أثناء التعليق، فعلق هذا الحكم على حديث ثوبان، بدلًا من حديث أبي معقل عن أنس، وسيأتي.
• وأما قوله:"ولفظ أحمد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على خفيه وعلى الخمار والعمامة": فيشعر بأنه بنفس هذا الإسناد، والحق أن أحمد قد رواهما حديثين بإسنادين مختلفين ومتنين مختلفين، لا يُعَلُّ أحدهما بالآخر.
وهذا اللفظ يرويه: معاوية بن صالح، عن عتبة أبي أمية الدمشقي، عن أبي سلام الأسود الدمشقي، عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح على الخفين والخمار، يعني: العمامة.
أخرجه البخاري في التاريخ (٦/ ٥٢٥)، وأحمد (٥/ ٢٨١)، والبزار (١٠/ ١١٠/ ٤١٧٣)، والدولابي في الكنى تعليقًا (١/ ٣٥٠/ ٦٢٢ م)، والطبراني في الكبير (٢/ ٩٢/ ١٤٠٩)، وفي مسند الشاميين (٢٠٨٤)، وابن منده في فتح الباب (٤٢١)، والخطيب في التاريخ (١١/ ٤٢٤)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣٨/ ٢٩٢)، وابن الجوزي في التحقيق (١٤٦).
وهذا إسناد ضعيف؛ أبو سلام الأسود ممطور: لم يسمع من ثوبان [المراسيل (٢١٥)، جامع التحصيل (٢٨٦)، تحفة التحصيل (٣١٥)].
وعتبة أبو أمية الدمشقي: مجهول، لم يرو عنه سوى معاوية بن صالح [التاريخ الكبير (٦/ ٥٢٥)، الجرح والتعديل (٦/ ٣٧٤)، الثقات (٨/ ٥٠٧)، كنى مسلم (١٧٦)، الكنى للدولابي (١/ ٣٥٠)، فتح الباب (٤٢١)، الاستغناء (٤٢٠)، تاريخ دمشق (٣٨/ ٢٩٢)،