للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومع كون الأثرم قد جزم بصحة رواية القطان التي وقع فيها التخصيص؛ إلا أنه قال عن حديث جابر: "إذا جاء أحدكم"، قال: "فقد بيَّن هاهنا أنه لم يُرد بذلك رجلًا بعينه، ومما يبين ذلك: أن أبا سعيد هو الذي روى الحديث الخاص، ثم كان هو يستعمل ذلك إذا جاء والإمام يخطب، يمنعه الأحراس فلا يمتنع، ويحتج بحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا الذي رواه، فجعله عامًا كسائر الأحاديث"؛ يعني: روايات حديث جابر.

كذلك فإن ابن عدي لما ساق كلام أبي زرعة الحمصي يحيى بن أبي عمرو السيباني [وهو: ثقة، من السادسة]، في أن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسليك: "قم فاركع"، إنما كان يحرض أصحابه على الصدقة عليه؛ لأن سليكًا كان سيء الحال، قال ابن عدي: "يُروى هكذا مقطوعًا [يعني: عن أبي عمرو السيباني]، وليس هذا بشيء، إنما الأخبار الصحاح عن جابر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره لما جلس وهو يخطب، فأمره أن يقوم فيصلي ركعتين".

قلت: لعل ابن عدي لم يستحضر حديث أبي سعيد هذا في أنه جاء في هيئة بذة؛ يعني: رثة، فهذا لا يمنع كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد المعنيين جميعًا، ويؤكد أنه أراد تحية المسجد أيضًا أمور: منها: أمرُه بالصلاة في الجمعة الثانية بعد أن حصل له ثوبان في الجمعة الأولى.

ومنها: أن أبا سعيد -وهو راوي هذا الحديث- قد استعمله في العموم، ولم ير اختصاص سليك به، فاحتج به على صلاة الداخل يوم الجمعة والإمام يخطب.

ومنها: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث جابر: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"، وهذا يفيد العموم، قال النووي في شرحه على مسلم (٦/ ١٦٤): "وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه"، وقال ابن دقيق العيد في الإحكام (٢/ ١١٢): "فهذا تعميم يزيل توهم الخصوص بهذا الرجل".

ومنها: دخوله في عموم حديث أبي قتادة المتفق عليه: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" [تقدم برقم (٤٦٧ و ٤٦٨)].

ومنها: أن الأحاديث والمعاني التي احتج بها المخالفون لا تخلو من مقال، أو من انتقاض حجتهم بما يقوي دليلنا.

٢ - حديث أنس بن مالك:

يرويه عبيد بن محمد العبدي: ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، قال: دخل رجل من قيس ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قم فاركع ركعتين"، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته.

أخرجه الدارقطني في السنن (٢/ ١٥)، وفي الأفراد (١/ ٢١١/ ١٠٠١ - أطرافه).

قال الدارقطني في السنن: "أسنده هذا الشيخ عبيد بن محمد العبدي عن معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس، ووهم فيه، والصواب: عن معتمر عن أبيه مرسل، كذا رواه أحمد بن حنبل وغيره عن معتمر".

وقال في حاشية السنن: "عبيد بن محمد هذا: ضعيف" [من تكلم فيه الدارقطني

<<  <  ج: ص:  >  >>