أولئك للناس، فكثروا في الليلة الثانية، قابت: فاطلع إليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن اللَّه لا يملُّ حتى تملُّوا".
قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: وكان أحب الأعمال إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أدومها وإن قلَّ، وكان إذا صلى صلا أثبتها.
أخرجه أحمد (٦/ ٦١ و ٢٤١)، وإسحاق بن راهويه (٢/ ٤٩٦/ ١٠٨٠)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (١٩٥)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (١١١٥)، وأبو يعلى (٧/ ٤٦١/ ٤٤٨٩)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (٣/ ٣٠/ ٤٩٧).
قلت: كلا الطريقين محفوظ عن محمد بن عمرو؛ بدليل:
اختلاف سياق القصة في الروايتين، واختلاف القدر المرفوع منها أيضًا.
وقد كان الأولى ترجيح رواية الجماعة؛ إلا أن مع المخالف من القرائن ما يقوي روايته؛ مثل: متابعة ابن إسحاق لرواية عبدة عن محمد بن عمرو من هذا الوجه على هذا اللفظ بهذا الإسناد.
ومثل: كون عبدة بن سليمان قد زاد في الإسناد رجلًا، والحديث معروف من طريق ابن إسحاق عنه.
ومما يؤكد أن محمد بن عمرو ليس هو الواهم في هذا الإسناد: أنه لم يسلك فيه الجادة، فلم يقل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأنه قد حفظ الحديث بالوجهين بلفظين مختلفين، فرواه عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بلفظ، ورواه عن أبي سلمة مباشرة بلفظ مغاير، فهو حديث حسن، واللَّه أعلم.
• وثمة إسناد آخر لا يصح [أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٢٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره (١٠/ ٣٣٧٩/ ١٩٠١٠)].
• ومما قلت تحت الحديث السابق برقم (٦٥٩): والذي يظهر لي من مجموع الروايات أن هذا الحصير كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتخذه حاجزًا يحتجر به كالحجرة؛ أي: يتخذه حجرة يستتر فيها ويخلو، لا أنه يفرشه فيصلي عليه، وهو ظاهر من قولها: أن أنصب له حصيرًا، وانظر في هذا المعنى: النهاية (١/ ٣٤١)، الفتح لابن حجر (٢/ ٢١٥) و (١٠/ ٣١٤).
كذلك فإن هذا الحصير لم يكن يستر شخصه كاملًا، بدليل رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناسُ شخصَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قال البيهقي في السنن (٣/ ١١٠): "وفي سياق هذه الأحاديث دلالة على أن المراد بالحجرة المطلقة في رواية هشيم عن يحيى بن سعيد وفي حديث أنس بن مالك؛ ما وقع بيانه في هذه الأحاديث، وفي حديث زيد بن ثابت دلالةٌ على أن الحجرة كانت في المسجد".