محمد بن الوزير المصري، قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام:"أغفله ابن يونس صاحب تاريخ مصر، وابن عساكر صاحب النبل، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير أبي داود"، وذكره في الميزان وقال:"لم أر أحدًا روى عنه سوى أبي داود"، وكلام أبي داود في سننه (٢٢١٨) يشير إلى وقوع الوهم في روايته [تاريخ الإسلام (١٨/ ٤٨٠)، الميزان (٤/ ٥٨)، التهذيب (٣/ ٧٢٣)، حسن المحاضرة (١/ ٢٩٤)]، قلت: فلا يثبت مثله عن الشافعي، لا سيما مع عدم وجود أدلة قوية تدل على كذب كثير في حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ثم وجدت السبكي في طبقات الشافعية (٢/ ٦٧) يقول: "قال زكريا الساجى: بلغني عن محمد بن الوزير، أنه قال: ما شرب الشافعي من كوز مرتين، ولا عاد فى جماع جارية مرتين، ذكر ذلك الحاكم في مناقب الشافعي، ورأيته كذا بخط بعض المحدثين: محمد بن الوزير، وإنما هو أحمد بن يحيى بن الوزير".
قلت: إن كان كما يقول؛ فهو ثقة، وإلا فهو غير مشهور، يقع الوهم في روايته، وكلام المزي في ترجمة أحمد بن يحيى بن الوزير من التهذيب يشعر بالتفرقة بينهما، وهو الأقرب [تهذيب الكمال (١/ ٥١٩)، تهذيب التهذيب (١/ ٥١)]، كما أن الحكاية التي ساقها السبكي ظاهرها النكارة، واللَّه أعلم.
وأما ابن حبان في المجروحين فإنه حكاه عن الشافعي حكاية بغير إسناد، فلا ندري هل تصح عنه أم لا؟ ولعلها من نفس الطريق.
وأما أبو داود: فقد ثبت عنه في رسالته لأهل مكة أنه لا يخرج في سننه لرجل متروك، قال (٢٥): "ليس في الكتاب حديث عن متروك، وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجلٍ متروكِ الحديثِ شيءٌ"، فكيف الحال إذا كان كذابًا؟! بنص كلام أبي داود نفسه، فهذا مما لا شك فيه أن أبا داود ينزه كتابه عن مثله، إذا تبين هذا علمت أن أبا داود لا يمكن أن يخرج في كتابه شيئًا لكثير بن عبد اللَّه المزني ولو على سبيل الاستشهاد والمتابعة؛ لأن أبا داود قال في كثير:"كان أحد الكذابين"[وقد انفرد المزي بهذا النقل عن أبي داود، نقلًا عن الآجري في مسائله]، ومع هذا التقرير: فقد أخرج أبو داود في سننه في باب إقطاع الأرضين من كتاب الخراج، حديث إقطاع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلال بن الحارث معادن القبلية، من طريق كثير بن عبد اللَّه المزني عن أبيه عن جده، ومن طريق غيره أيضًا [انظر: السنن (٣٠٦١ - ٣٠٦٣)]، فها هو أبو داود يستشهد به في كتابه السنن، والكذاب لا يصلح حديثه في المتابعات والشواهد، ولا يُعتبر بحديثه، بل هو ساقط الحديث بالكلية على كل حال، وكذلك المتروك، فالمنكر أبدًا منكر، كما قال أحمد، وهذا عندي من أقوى الحجج على عدم ثبوت تكذيب أبي داود لكثير بن عبد اللَّه المزني.
ثانيًا: أن هذا النقل قد انفرد به الآجري عن أبي داود، وقد نقله الحافظ زكريا بن يحيى الساجي عن أبي داود فاقتصر فيه على قول الشافعي دون قول أبي داود، والساجي: إمام حافظ، ثقة ثبت مصنف، ناقد للرجال، متفنن في علم العلل [راجع ترجمته في: