حديثًا طويلًا عن الدجال، أو يقول: عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة؛ أن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود الناس بالخير [انظر على سبيل المثال لا الحصر: صحيح البخاري (١٩٨ و ٢٢٠ و ٤٣٥ و ٤٣٦ و ١٣٩٩ و ١٤٥٦ و ١٨٥٧ و ١٨٨٢ و ١٩٠٢ و ٣٠٩٩ و ٤٤٤٢ - ٤٤٤٤ و ٥٧١٤ و ٥٧٥٤ و ٦٩٢٤ و ٧١٣٢ و ٧٢٦٠ و ٧٢٨٦)]، وكان كثيرًا أيضًا ما يقول: عن فلان [من الصحابة] أنه قال، أو يقول: قال فلان؛ كذلك فإن كثيرًا من مروياته جاءت بالعنعنة، كما وقع السماع أيضًا صريحًا في مروياته.
قلت: فلما كثر استعمال هذه الصيغة الدالة على الإرسال كثيرًا في مرويات عبيد اللَّه، مع كون أصل الرواية التي مثلتُ بها متصلة من وجه آخر، أحببت أن أنبه على ذلك، وأن ما ظاهره الإرسال في مرويات عبيد اللَّه يحتاج إلى تأنٍ في الحكم عليه بالاتصال أو الانقطاع، فلا يحكم بانقطاعه لأول وهلة، بل نجمع الطرق حتى يظهر لنا وجه الصواب.
وأضرب على ذلك مثالًا:
فإذا نظرنا إلى حديث فاطمة بنت قيس في نفقة المبتوتة في صحيح مسلم (١٤٨٠/ ٤١)، والذي يرويه عبيد اللَّه بصيغة دالة على الإرسال يقينًا؛ حيث يرويه معمر عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة؛ أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة،. . . الحديث، فهو هنا يحكي واقعة حدثت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يشهدها عبيد اللَّه يقينًا.
لكن وقعت هذه الرواية خارج الصحيح موصولة، فقد رواه معمر أيضًا، والزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة؛ أن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان طلَّق -وهو غلام شاب في إمارة مروان- ابنةَ سعيد بن زيد -وأمُّها بنت قيس- البتة، فأرسلت إليها خالتُها فاطمة بنت قيس،. . . فذكر حادثة وقعت في زمانه، وقد أدركها، ثم استطردت فاطمة فذكرت دليلها على فعلها الذي أنكره مروان، واحتجت حينئذ بواقعتها التي وقعت في زمن النبوة، وبذا يظهر أنه ليس ثمة انقطاع أو إرسال في رواية مسلم، وإنما هو اختصار من معمر نفسه، فهو الذي اختصر القصة ليأتي منها بموضع الشاهد، فأوهم الإرسال، واللَّه أعلم [أخرج الرواية المتصلة: أبو داود (٢٢٩٠)، والنسائي في المجتبى (٦/ ٦٢/ ٣٢٢٢) و (٦/ ٢١٠/ ٣٥٥٢)، وفي الكبرى (٥/ ١٥٥/ ٥٣١٣) و (٥/ ٣١٨/ ٥٧١٥)، وأبو عوانة (٣/ ١٨٠/ ٤٦٠٢)، وعبد الرزاق (٧/ ٢٢/ ١٢٠٢٥)، والطبراني في الكبير (٢٤/ ٣٧٣/ ٩٢٥)، وفي مسند الشاميين (٤/ ٢١٣/ ٣١٢٦)، والدارقطني في المؤتلف (٢/ ٨٠١)، وانظر: غرر الفوائد (٢٠٠)].
ومن ثم فإن جمع الطرق هو الذي يبين الانقطاع والاتصال في مثل ذلك، وحالتنا هذه قريبة من حديث فاطمة بنت قيس، فإن رواية فليح بن سليمان قد بينت الاتصال الذي أُخفي في رواية مالك وابن عيينة، ويمكن القول احتمالًا: أن ضمرة بن سعيد هو الذي فعل ذلك لأجل تقديم ذكر عمر لجلالته على ذكر أبي واقد، وإن كان هو راوي الحديث الذي سمعه