توهيم الثقات، ولو أدى ذلك إلى توهيم الصحابة، وقد يترتب على قبول هذه الرواية بعينها القدح بوجه ما في الصحابي، أو قبول الباطل من الأحاديث؛ المخالف لصحيح الحديث والأثر، أو جعل ما ليس بدين دينًا، وما ليس بسُنَّة سُنَّة، وكم ترك الأول للآخر!، زعموا.
وقد يحكم الأئمة على حديث ما بإعلاله بما لم تظهر لنا علته، أو يشيرون إلى علة خفية في الحديث يصعب إدراكها، فيجب حينئذ المصير إلى أقوالهم إذا اتفقوا، فإن اتفاق المحدثين على شيء يكون حجة [المراسيل لابن أبي حاتم (٧٠٣)] لا ينبغي لأحد مخالفتها كائنًا من كان، وأما إذا اختلفوا: فحينئذ نرجح بين أقوالهم، على مقتضى قواعدهم وطرقهم في الإعلال، ولا ينبغي لنا أن نحدث قولًا جديدًا لم
نسبق إليه، فكما أن الصحابة -رضي الله عنهم- الذين عاينوا التنزيل، وكانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها أخلاقًا، فكما أنهم إذا اختلفوا في مسألة لا ينبغي لنا أن نخرج عن أقوالهم، فنحدث قولًا جديدًا، فكذلك هؤلاء الأئمة النقاد الذين عاصروا التدوين وخبروا أحوال الرواة والمرويات لا ينبغي الخروج عن أقوالهم وإحداث قول جديد، بل نقول بقولهم إذا اتفقوا، ونرجح بين أقوالهم إذا اختلفوا، ولابن حجر في هذا كلام نفيس أسوقه لفائدته في هذا الموطن، فإنه لما نقل كلام الأئمة في إعلال حديث أبي هريرة في كفارة المجلس [مخرج في الذكر والدعاء برقم (٣٠٠)]، وهو حديث مروي بإسناد ظاهره الصحة، قال:"وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم؛ بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد" [النكت على ابن الصلاح (٢/ ٧٢٦)].
• ومما يجعلنا نسلم لهم في أحكامهم، ولا ننازعهم فيها:
أ- اطلاعهم على أحوال الرجال، بشكل لا يتسنى لنا اليوم الوقوف عليه، لا سيما مع اختلاف البيئة والعادات وطرق سير الحياة اليومية.
ب- أنهم ما قبلوا كل أحاديث الثقات، بل ردوا ما وهموا فيه، ولا ردوا كل أحاديث الضعفاء ممن خف ضبطهم، وهم في الأصل يشملهم اسم الصدق وتعاطي العلم، بل قبلوا ما حفظوه، فكيف يتساهل البعض بعد ذلك في قبول رواية الثقة