قال أبو بكر ابن المنذر:"ولا أعلم في شيء من الأخبار التي ذكرناها في عدد صلاة الخسوف علةً؛ إِلَّا خبر علي فإن في إسناده مقال، فأما سائر الأخبار فالعمل بها كلها جائز".
وقال الخطابي في المعالم (١/ ٢٢٢): "ويشبه أن يكون المعنى في ذلك: أنه صلاها مرات وكرات، فكانت إذا طالت مدة الكسوف مدَّ في صلاته وزاد في عدد الركوع، وإذا قصرت نقص من ذلك، وحذا بالصلاة حذوها، وكل ذلك جائز، يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه".
قلت: مما يرد القول بأنه إذا طالت مدة الكسوف مدَّ في صلاته وزاد في عدد الركوع: أنه يلزم منه أن لا تكون هيئة الصلاة منوية من أولها، وهذا خلاف ما شرعت به الصلاة، وهي النية في أولها المتضمنة لكونها فرضًا أم نفلًا، ولعدد ركعاتها، وهيئتها، فلما اتفقت جميع الروايات في الكسوف على استواء عدد الركوع في الركعتين دل على بطلان هذا القول؛ لأن انجلاء الشمس لا يتبين في أول الصلاة، وإنما في آخرها، فيستلزم أن تكون الزيادة في عدد الركوع في الركعة الثانية دون الأولى، واللَّه أعلم [وانظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٤/ ٢٧٨)].
° وتوسط في ذلك ابن حبان، فصحح في صحيحه أحاديث من قال بركوعين في ركعة، مثل: حديث عروة وعمرة عن عائشة، وحديث عطاء بن يسار وكثير بن عباس عن ابن عباس، وصحح كذلك أحاديث من قال بثلاث ركوعات في ركعة، مثل: حديث عبيد بن عمير عن عائشة، وحديث عبد الملك عن عطاء عن جابر، ثم ضعف أحاديث من قال بأربع ركوعات في ركعة، مثل: حديث طاوس عن ابن عباس، وحديث حنش عن علي.
قال ابن حبان (٧/ ٩٨ و ٩٩): "خبر حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس؛ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في كسوف الشمس ثماني ركعات وأربع سجدات: ليس بصحيح؛ لأن حبيبًا لم يسمع من طاوس هذا الخبر، وكذلك خبر علي رضوان اللَّه عليه؛ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في صلاة الكسوف هذا النحو؛ لأنا لا نحتج بحنش وأمثاله من أهل العلم، وكذلك أغضينا عن إملائه".
• وخالفهم في ذلك آخرون، منهم: الشافعي، وأحمد، والبخاري، والبيهقي، وابن عبد البر:
قال الشافعي في اختلاف الحديث (١٨٠): "إذا كسفت الشمس والقمر صلى الإمام بالناس ركعتين في كسوف كل واحد منهما، في كل ركعة ركوعان".
واحتج الشافعي في هذا بحديث عطاء بن يسار عن ابن عباس، وحديث عمرة وعروة عن عائشة، ثم ذكر بأن حديث أبي بكرة وما كان في معناه مما ظاهره التعارض، بأنه لا يعارض تلك الأحاديث؛ وذلك لأن: "الحديث إذا جاء من وجهين فاختلفا، وكان في