حين جزم بذلك، فقال في الإصابة (٧/ ٤٥): "حديث صحيح"، وصحح إسناده أيضًا: النووي في المجموع (٥/ ٥٢).
وثعلبة بن عِبَاد العبدي البصري: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي وابن حزم وابن القطان:"مجهول"، له حديثان هذا أشهرهما، وقد تفرد بالرواية عنه: الأسود بن قيس، وقد قال علي بن المديني:"الأسود بن قيس: روى عن عشرة مجهولين، لا يعرفون" [التاريخ الكبير (٢/ ١٧٤)، ومعرفة الثقات (١٩٥)، والوحدان لمسلم (٧٥٧)، والجرح والتعديل (٢/ ٢٩٢ و ٤٦٣)، والثقات (٤/ ٩٨)، والبدر المنير (٥/ ١٢٩)، والتهذيب (١/ ٢٧٢)].
قال ابن الملقن:"وتصحيح الأئمة الماضين لحديثه يرفع عنه الجهالة".
قلت: لا مفرَّ من القول بجهالة ثعلبة بن عباد، لكن الشأن في تصحيح حديثه وقبوله، أو ردِّه بناءً على ما تقتضيه الصنعة الحديثية، وقد سبق الكلام في ذلك مرارًا، وهو أن حديث المجهول لا يقبل ولا يردُّ لمجرد كون راويه مجهولًا، وإنما العبرة في ذلك بالقرائن الدالة على كون المجهول حفظ الحديث، ووافق فيه الثقات، أم أنه خالفهم، وأتى فيه بما ينكر عليه، ومما سبق تقريره أن حديث المجهول إذا كان مستقيمًا فإنه يكون مقبولًا صحيحًا؛ وذلك تحت الحديث رقم (٧٥٩)، عند حديث هُلْب الطائي [وانظر أيضًا فيما قبلته أو رددته من حديث المجهول: ما تحت الحديث رقم (٧٨٨)، الشاهد الرابع، حديث أم سلمة، وما تحت الحديث رقم (٧٩٥)، وما تحت الحديث رقم (٨٢٥)، والأحاديث الماضية برقم (٩٩١ و ١٠٧٠ و ١١٠٠ و ١١٠٦)]، ومما قلت هناك:
الحكم على الراوي بالجهالة لا يمنع من تصحيح حديثه، فكم من راوٍ حكم أبو حاتم عليه بالجهالة ونحوها ثم صحح حديثه، ثم نقلت بعض النقول في ذلك، ثم قلت: فدل ذلك على أن استقامة حديث الراوي تكفي في قبول حديثه، حتى لو لم يكن مشهورًا بالطلب، لاسيما من كان في طبقة التابعين، والمقصود من هذه النقول بيانُ أن المجهولَ لا يُردُّ حديثه لمجرد جهالته؛ إذ الجهالة وصف لا يلزم منه الجرح، بل يقترن كثيرًا في كلام الأئمة الوصفُ بالجهالة مع التوثيق أو التجريح، ولكن ينظر في حديث المجهول؛ فإن كان حديثه مستقيمًا موافقًا لرواية الثقات صُحِّح حديثه واغتُفرت جهالته، وإن كان حديثه منكرًا رُدَّ ولم يقبل.
• وهذا الحديث الطويل قد اشتمل على معانٍ كثيرة، منها ما هو صحيح، له شواهد تعضده، ومنها ما انفرد به ثعلبة بن عباد، ولم يتابع عليه.
• فمن القسم الأول مما توبع عليه: قيام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما أوجب اللَّه عليه من تبليغ الرسالة وأداء الأمانة.
ومنه:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه، لا يخسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته" [وقد تقدم معنا برقم (١١٨٠)].