للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقد روى محمد بن المنكدر، وإبراهيم بن ميسرة، وأبو قلابة عبد اللَّه بن زيد الجرير، عن أنس بن مالك؛ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين.

وهو حديث متفق عليه، وهو الحديث الآتي عند أبي داود، والمقصود: أن روايتهم لم تحدد فيها المسافة بالأميال أو الفراسخ، بل حددت بالأماكن المعروفة، ثم جاءت رواية الهنائي لكي تفسرها بتحديد المسافات؛ يعني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتم الصلاة بالمدينة، فلما خرج وسار قرابة ثلاثة فراسخ، وبلغ ذا الحليفة، صلى بها العصر ركعتين.

قال ابن قدامة في المغني (٢/ ٤٨): "يحتمل أنه أراد به: إذا سافر سفرًا طويلًا قصر إذا بلغ ثلاثة أميال؛ كما قال في لفظه الآخر: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين".

وقال النووي في المجموع (٤/ ٢٧٧): "وأما حديث أنس: فليس معناه أن غاية سفره كانت ثلاثة أميال، بل معناه أنه كان إذا سافر سفرًا طويلًا فتباعد ثلاثة أميال قصر، وليس التقييد بالثلاثة لكونه لا يجوز القصر عند مفارقة البلد، بل لأنه ما كان يحتاج إلى القصر إلا إذا تباعد هذا القدر؛ لأن: الظاهر أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة إلا بعد أن يصليها، فلا تدركه الصلاة الأخرى إلا وقد تباعد عن المدينة، وأما حديث شرحبيل وقوله: إن عمر -رضي اللَّه عنه- صلى بذي الحليفة ركعتين؛ فمحمول على ما ذكرناه في حديث أنس، وهو أنه كان مسافرًا إلى مكة أو غيرها فمر بذي الحليفة، وأدركته الصلاة فصلى ركعتين، لا أن ذا الحليفة غاية سفره".

الثالث: أن مسلمًا لما أخرج رواية الثلاثة المذكورين عن أنس، أعقبها برواية الهنائي، كالمفسرة لها، في بيان المسافة التي يبتدئ المسافر القصر منها، ثم أتبعها بحديث عمر [تقدم في شواهد الحديث السابق برقم (١٢٠٠)] وهو بنفس المعنى، وفيه: عن جبير بن نفير، قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلًا، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل، وفي زيادة صحيحة عند ابن أبي شيبة: كأنه يريد مكة، يعني: أن عمر إنما ابتدأ قصر الصلاة لما بلغ تلك المسافة، وهي قريبة من ثلاثة فراسخ.

وتصرف أبي داود في هذا الباب يدل على نفس المعنى، حيث ترجم للباب بقوله: "باب متى يقصر المسافر"، يعني: متى يبتدئ المسافر في قصر الصلاة بعد خروجه من بلده، ثم بدأ بحديث الهنائي هذا، ثم أتبعه بحديث ابن المنكدر وابن ميسرة عن أنس في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدأ قصره من ذي الحليفة، وهي تبعد من مسجده قرابة ثلاثة فراسخ، فاتفق الحديثان في معناهما، وكذلك فعل البيهقي، واللَّه أعلم.

الرابع: ثبت أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يذهب إلى قباء وإلى العوالي، ولا يقصر، كما ينزل

<<  <  ج: ص:  >  >>