حجة على من لم يحفظ، وقد تابع وهيبًا على بعضه: حماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي، وقد احتج البخاري برواية وهيب هذه في ثلاثة مواضع، فقال في الموضع الأول (١٥٥١): "باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة"، وقال في الموضع الثاني (١٧١٢): "باب من نحر بيده"، وقال في الموضع الثالث (١٧١٤): "باب نحر البدن قائمة" [انظر: الفتح لابن حجر (٤/ ٤٤٠ و ٦٦٧)، الفصل للوصل المدرج في النقل (١/ ٥١٧ - ٥١٩)، التغليق (٣/ ٥٥)].
• الثالث: انفرد وهيب بن خالد عن أيوب في هذا السياق ببعض الألفاظ لم يتابع عليها:
الأولى: ثم ركب حتى استوت به على البيداء؛ حمد اللَّه وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وفي رواية: فلما صلى الصبح ركب راحلته، فلما انبعثت به سبح وكبر حتى استوت به على البيداء، ثم جمع بينهما.
قال أبو داود:"الذي تفرد به -يعني: أنسًا- من هذا الحديث: أنه بدأ بالحمد والتسبيح والتكبير، ثم أهل بالحج".
قلت: إذا ثبت الحديث لزم العمل به، وقد ثبت بإسناد صحيح، ووهيب: ثقة ثبت حافظ، من كبار حفاظ البصرة، ومن أصحاب أيوب السختياني المكثرين عنه، فلا غرو أن ينفرد عنه دون بقية أصحابه، لاسيما وقد اختلف الأئمة فيمن يقدَّم في أصحاب أيوب عند الاختلاف: إسماعيل بن علية، أو وهيب بن خالد، فقدم عبد الرحمن بن مهدي وهيبًا على ابن علية، وقدَّم يحيى القطانُ ابنَ علية [التهذيب (٤/ ٣٣٣)]، وهذا مما يدل على اختصاص وهيب بأيوب، وأنه من المكثرين عنه، والمقدمين فيه، وممن يحتمل تفرده عنه، ولذلك فقد احتج البخاري بما تفرد به عن أيوب هنا في ثلاثة مواضع، تقدم بيانها قريبًا، منها قوله:"باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة".
الثانية: ونحر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده سبعَ بُدنٍ قيامًا.
وفي هذا مخالفة لحديث جابر [عند مسلم (١٢١٨)] حين قال: فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًا، فنحر ما غبر، والجمع بينهما ممكن، وقد ذكر ابن حزم في حجة الوداع (٣٠٠) ثلاثة أوجه للجمع بينهما، أقواها: أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره -صلى اللَّه عليه وسلم- سبعًا فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره -صلى اللَّه عليه وسلم- للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشهد، ثم قال:"فتصح جميع الأخبار، ويُنفى عنها كل التعارض، واللَّه أعلم أيَّ ذلك كان؛ إلا أنهم -رضي اللَّه عنهم- كلهم صادق في ما حكى، وباللَّه تعالى التوفيق" [وانظر: زاد المعاد (٢/ ٢٦٠)].
وقال ابن خزيمة (٤/ ٢٨٥): "لا يكون نفيًا عما زاد على ذلك العدد، وليس في قول أنس: نحر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده سبع بدنات؛ أنه لم ينحر بيده أكثر من سبع بدنات؛ لأن: جابرًا قد أعلم: أنه قد نحر بيده ثلاثة وستين من بدنة".