للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قرأه في مجلس الليث بن سعد، فهل يخفى ذلك على أصحابه؟ فضلًا عن الليث؟ وما يجرؤ المدائني أن يقول ليحيى بن حسان: ويجيء أحدٌ يعرف هذا؟ يعني: ممن هم في مجلس الليث، وإنما فيمن يحدثهم المدائني بعد الليث، ممن لا يعرف حديث الليث، وليس عنده كتاب لليث بن سعد، وهذا هو ما وقع للمدائني بالعراق حيث حدث الناس بأباطيله، ولم يكن معهم كتاب لليث ليقابلوه به، فراج عليهم البهرج، وسيأتي بيان ذلك في كلام أبي حاتم، واللَّه أعلم.

ثم قال العقيلي: حدثنا أحمد بن علي الأبار [ثقة حافظ متقن]، قال: حدثنا مجاهد بن موسى [الختلي: ثقة]، قال: أتيت خالد المدائني، فقال لي: أي شيء تريد؟ قلت: حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، فأخرجه فأعطاني، فجعلت أكتب على الوِلاء، وكنا أربعةً، فقالوا لي: انتخب، فقلت: لا؛ إلا على الوِلاء، فتركوني فكتبت، ثم أعطيته يقرأ، فجعل يقرأ ويسند لي، فقلت: ليس هذا هكذا في الكتاب، فقال: اكتب كما أقول لك، فقلت: جزاك اللَّه خيرًا، فظننت أنه تركها عمدًا، حتى تبينت بعد ذلك، وقال: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حِبَّان، فقلت: حَبَّان، فقال: حِبان وحَبان واحد، وكان يحدث هذا بشيء وهذا بشيء، فقال مجاهد: رأيتهم قد جاءوا بحديث ليث بن سعد إلى يونس بن محمد، فجعلوا يقابلون بها، فإذا ليس تتفق. اهـ.

وهذا صريح في كون خالد المدائني كان يزيد عمدًا في حديث الليث ما ليس منه، ويؤكد ذلك، ما قاله أبو حاتم في القاسم هذا: "متروك الحديث، صحِب الليث من العراق إلى مكة وإلى مصر، فلما انصرف كان يحدث عن الليث بالكثير، فخرج رجل من أهل العراق، يقال له: أحمد بن حماد الكذوا [كذا] بتلك الكتب إلى مصر، فعارض بكتب الليث، فإذا قد زاد فيه الكثير وغيَّره، فتُرك حديثه" [كذا قال في الجرح].

وقال في العلل (٤١٠) لما سئل عن حديث غريب غير هذا رواه المصريون عن الليث، قال أبو حاتم: "هذا حديث باطل موضوع، لا أصل له، أُرى أن هذا الحديث من رواية خالد بن القاسم المدائني، وكان المدائني خرج إلى مصر، فسمع من الليث، فرجع إلى المدائن، فسمعوا منه الناس، فكان يوصِّل المراسيل، ويضع لها أسانيد، فخرج رجلٌ من أهل الحديث إلى مصر في تجارة، فكتب كُتُبَ الليث هناك، وكان يقال له: محمد بن حماد الكَذُو -يعني: القرع-، ثم جاء بها إلى بغداد، فعارضوا بتلك الأحاديث، فبان لهم أن أحاديث خالد مفتعلة".

فدل ذلك على أن المدائني كان يتعمد وصل المراسيل، وإلزاقها، ويضع لها أسانيد، وينسب ذلك لليث بن سعد كذبًا وزورًا، لذا أطلق عليه جماعةٌ الكذب، ونسبوه إلى الوضع، ولا يروج مثل هذا على الحافظ الثقة الثبت المتيقظ الليث بن سعد، حتى يفسد المدائني عليه حديثه وهو لا يدري، ويلقنه فيتلقن، وهذه سُبَّة نبرئ منها الإمام الثبت، لذا

<<  <  ج: ص:  >  >>