* ولحديث ابن عمر طرق أخرى: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم، وأنه سئل عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتين ركعتين، من خالف السُّنَّة كفر، تقدم تخريجها تحت الحديث رقم (١٢٠٠)، فراجعها هناك.
* قلت: قد دل حديث ابن عمر بطرقه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت عادته أنه لا يصلي الراتبة مع الفريضة في السفر، لا قبلها ولا بعدها، وقد قدَّم ابن عمر دليلًا فقهيًّا على عدم اجتماع الراتبة مع الفريضة في السفر حيث قال: لو كنت مُسبِّحًا أتممتُ صلاتي، وهو دليل منسجم مع تخفيف الرباعية إلى ركعتين، فكيف يخفف الفرض إلى ركعتين، ثم لا تسقط النافلة الراتبة!؛ إذ لو لم تسقط لكان إتمام الفريضة أولى، ومع ذلك فإن ابن عمر لم يكن ممن يرى عدم التطوع مطلقًا في السفر؛ بدليل أنه كان لا يترك القيام من جوف الليل، كما في رواية ابنه سالم عنه، وفي رواية نافع: أنه لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئًا، قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل، فإنه كان يصلي على الأرض، وعلى راحلته حيث توجهت، فهو في ذلك متبع لسّنَّة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما سيأتي بيانه في الباب الآتي في صلاة التطوع على الراحلة والوتر، ولما سئل ابن عمر عن ذلك أجازه، ففي رواية عثمان بن عبد الله بن سراقة: قلت: أصلي بالليل؟ فقال: صلِّ بالليل ما بدا لك، وفي رواية: قال: نعم، صلِّ بالليل ما شئت على راحلتك حيث توجهت بك، فظهر بمجموع الروايات عن ابن عمر أنه لم يكن ينفي التطوع مطلقًا، وإنما كان ينفي صلاة الراتبة القبلية والبعدية فقط، ومن الروايات التي تزيل الإشكال في ذلك، وتزيد الأمر وضوحًا:
ما رواه جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي في السفر على راحلته، حيث توجهت به، يومئ إيماءً، صلاةَ الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته.
أخرجه البخاري (١٠٠٠)، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (١٢٢٦).
وفي رواية الليث بن سعد عن نافع به: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي على بعيره بالليل في السفر، أينما توجهت به [عند السراج (١٥٠٤)].
هكذا أثبت ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن كان يتنفل على راحلته في السفر بصلاة الليل والوتر، وأن ذلك كان مختصًّا بالليل دون النهار، وأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدَع صلاة التطوع بالكلية، وإنما ترك فعل الرواتب القبلية والبعدية، وذلك باستثناء راتبة الفجر، كما دل عليه حديث أبي قتادة في الصحيح حينما ناموا عن صلاة الفجر في السفر حتى أيقظهم حر الشمس، ففي رواية له: وصلوا الركعتين قبل الفجر، ثم صلوا الفجر [راجعه عند أبي داود برقم (٤٣٧)(٥/ ٣٠٨/ ٤٣٧ - فضل الرحيم)]، وأيضًا باستثناء صلاة الضحى، كما دل عليه حديث أم هانئ المتفق عليه [يأتي تخريجه عند أبي داود برقم (١٢٩٠ و ١٢٩١)].
* وقد ترجم البخاري لحديث عامر بن ربيعة (١١٠٤) الآتي ذكره في شواهد أحاديث الباب الآتي بقوله: "باب من تطوع في السفر، في غير دبر الصلوات وقبلها،