وركع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتي الفجر في السفر"، ثم أسند حديث أم هانئ في صلاة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة ثماني ركعات ضحًى، ثم علق حديث عامر بن ربيعة، بلفظ: رأى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به، ثم أسند حديث سالم عن ابن عمر؛ أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه.
وفي تصرف البخاري هذا ما يبين كيفية الجمع بين حديث ابن عمر في أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يزيد في سفره على ركعتين، وأنه لم يكن يصلي شيئًا قبلها ولا بعدها، وبين أحاديث الباب الآتي؛ بأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يصلي الرواتب القبلية والبعدية حسب، ما عدا ركعتي الفجر، فإنه كان يصليها في السفر، وكذلك صلاة الضحى، وقيام الليل، وصلاة الوتر، والله أعلم.
وقال ابن القيم في الزاد (١/ ٤٧٥): "ويؤيد هذا أن الرباعية قد خُفِّفت إلى ركعتين تخفيفًا على المسافر، فكيف يجعل لها سنة راتبة يحافظ عليها، وقد خفف الفرض إلى ركعتين، فلولا قصد التخفيف على المسافر وإلا كان الإتمام أولى به، ولهذا قال عبد الله بن عمر: لو كنت مسبحًا لأتممت".
وكان قال قبل ذلك: "وأما ابن عمر فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها إلا من جوف الليل مع الوتر، وهذا هو الظاهر من هدي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئًا، ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها؛ فهو كالتطوع المطلق، لا أنه سنة راتبة للصلاة كسنة صلاة الإقامة".
وقال عن أحاديث التنفل على الراحلة في السفر: "فهذا قيام الليل".
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (١/ ٣٣٠) عن قول ابن عمر في الحديث: كان لا يزيد في السفر على ركعتين: "يحتمل أن يريد: لا يزيد في عدد ركعات الفرض، ويحتمل أن يريد: لا يزيد نفلًا، وحمله على الثاني أولى؛ لأنه وردت أحاديث عن ابن عمر يقتضي سياقها أنه أراد ذلك، ويمكن أن يراد العموم، فيدخل فيه هذا، أعني النافلة في السفر، تبعًا لا قصدًا" [وانظر: الإعلام لابن الملقن (٤/ ٩١)].
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٤٨٩): "وأما قول ابن عمر: لو كنت مسبحًا في السفر لأتممت،. . .، فإنما أراد به راتبه المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر، وذلك بيِّنٌ من سياق الحديث المذكور،. . .، ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل، فإن ابن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر، وقد قال مع ذلك ما قال".
وانظر: الأوسط لابن المنذر (٥/ ٢٤٥)، الفتح لابن حجر (٢/ ٥٧٩)، وغيرهما.