أخرجه ابن خزيمة (٣/ ٧٠/ ١٦٤٣)، والطبراني في الكبير (١٨/ ٢٠٩/ ٥١٦)، والبيهقي (٣/ ١٥١).
° والحاصل: فإن هذا الحديث: حديث ضعيف، وعلي بن زيد ابن جدعان: أحد علماء التابعين، ضعيف؛ وكان كثير الحديث واسع الرواية، فلم يوصف بأنه منكر الحديث، ولا حكموا على مجمل حديثه بالنكارة، وإنما وقعت المناكير في بعض حديثه، ولم يُترك، بل لينه كثير من النقاد بقولهم:"ليس بالقوي"، وهي أخف مراتب الجرح، بل هذا قريب من قول أحد المتشددين فيه، وهو أبو حاتم الرازي حيث قال عنه:"ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إليَّ من يزيد بن أبي زياد، وكان ضريرًا، وكان يتشيع"، وقال الترمذي:"وعلي بن زيد: صدوق؛ إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره"، كذلك فلم يمتنع ابن مهدي من الرواية عنه، وقد روى عنه شعبة والسفيانان والحمادان والكبار، وأما ابن حبان فهو مع تعنته في الجرح ومبالغته في الحطِّ على من له جرحة؛ فإنه لم يزد على أن ختم كلامه فيه بقوله:"فاستحق ترك الاحتجاج به"، يعني: إذا تفرد، وروى له مسلم مقرونًا بثابت البناني في موضع واحد، وقد صحح له الترمذي جملة من حديثه مما توبع عليه، وقال الذهبي:"وكان من أوعية العلم، على تشيُّعٍ قليل فيه، وسوءُ حفظه يغُضُّه من درجة الإتقان"، وقال أيضًا:"صالح الحديث" [صحيح مسلم (١٧٨٩)، جامع الترمذي (١٠٩ و ١١٤٦ و ٢٣٣٠ و ٢٦٧٨ و ٣١٤٨ و ٣١٦٨ و ٣٦١٥ و ٣٩٠٢)، الجرح والتعديل (٦/ ١٨٦)، المجروحين (٢/ ١٠٣)، الكامل (٥/ ١٩٥)، الميزان (٣/ ١٢٧)، السير (٥/ ٢٠٦)، تذكرة الحفاظ (١/ ١٤٠)، تاريخ الإسلام (٨/ ٤٩٨)، المغني (٢/ ٤٤٧)، التهذيب (٣/ ١٦٢)].
وهذا الحديث قد توبع عليه ابن جدعان في مجمله من حديث عدد من الصحابة؛ إلا تحديد مدة مكث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فتح مكة بثمانية عشر يومًا، كما أنه انفرد فيه بهذه الزيادة التي لم تأت مرفوعة من غير حديث عمران هذا، وهي قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل مكة بعد انصرافه من صلاته بمكة ركعتين:"صلوا أربعًا، فإنا قومٌ سَفْرٌ"، وإنما تُعرف من قول عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، كما سيأتي بيانه.
فإذا نظرنا إلى ما توبع عليه ابن جدعان في هذا الحديث: فعليه يحمل تصحيح الترمذي وابن خزيمة.
وإذا نظرنا إلى ما انفرد به ولم يتابع عليه؛ من تحديد المدة، وزيادة قول المسافر للمقيمين خلفه، فإنه يضعف بها الحديث، والله أعلم.
لذا قال البزار:"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الفعل إلا عن عمران بن حصين، ولا نعلم له طريقًا عن عمران غير هذا الطريق".
وقال ابن المنذر (٤/ ٣٦٥):"قصر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة ثابت من غير هذا الوجه؛ لأن: علي بن زيد يُتكلَّم في حديثه، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب حين قدم مكة، صلى ركعتين فلما سلم قال: يا أهل مكة! إنا قوم سفر؛ فأتموا الصلاة".