وعلى هذا يبقى الترجيح بين رواية أبي يعلى المتصلة، ورواية ابن أبي خيثمة المنقطعة، فهما متعارضتان، فرواية أبي يعلى تثبت السماع، ورواية ابن أبي خيثمة تنفيه، وكلاهما ثقة حافظ إمام مختص بزهير بن حرب، نعم؛ تُقدم رواية أهل بيت الرجل لاختصاص ابن أبي خيثمة بأبيه، ولكونه زاد في الإسناد، والله أعلم.
قال المنذري في مختصر السنن (١/ ٣٥٥): "سماعه منه متوجِّه؛ فإنه ذُكر ما يدل على أن مولد مجاهد سنة عشرين، وعاش أبو عياش إلى بعد الأربعين، وقيل: إلى بعد الخمسين".
قلت: قد اختلف في وفاة مجاهد ما بين سنة مائة، وبين مائة وأربع، على أقوال عدة، وقال ابن حبان:"وكان مولده سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر"، وقال يحيى بن بكير:"مات سنة إحدى، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة"؛ يعني: أنه ولد سنة ثمان عشرة تقريبًا [التهذيب (٤/ ٢٦)]، وفي التهذيب (٤/ ٥٦٨) في ترجمة أبي عياش الزرقي: "يقال: إنه مات بعد الأربعين في خلافة معاوية"، وعليه: فإن سماع مجاهد من أبي عياش غير مستبعد.
لكن يشكل على ذلك ثلاثة أمور:
الأول: قول البخاري: "إلا حديث مجاهد عن أبي عياش الزرقي، فإني أُراه مرسلًا".
الثاني: رواية ابن أبي خيثمة عن أبيه عن جرير، حيث قال فيه: حُدِّثنا عن أبي عياش.
الثالث: أن بعض النقاد قد جزموا بعدم سماع مجاهد من نفر من الصحابة ممن تأخرت وفاتهم عن أبي عياش، مثل: كعب بن عجرة [توفي بعد الخمسين]، وسعد بن أبي وقاص [توفي سنة (٥٥)]، ومعاوية بن أبي سفيان [توفي سنة ستين]، وقالوا أيضًا بأن روايته عن علي بن أبي طالب مرسلة [وقد توفي سنة أربعين]، وبأنه لم يسمع من يعلى بن أمية [وقد توفي بعد الأربعين]، وأما الصحابة الذين روى عنهم مجاهد وسمع منهم، مثل: ابن عباس [توفي سنة (٦٨)]، وابن عمر [توفي سنة (٧٣)]، وجابر بن عبد الله [توفي بعد السبعين]، فقد تأخرت وفاتهم جدًّا عن أبي عياش الزرقي، واختلف في سماعه من عائشة [توفيت سنة (٥٧)]، فمنهم من أثبته، ومنهم من نفاه، مع تأخر وفاتها عن أبي عياش بما يزيد على خمس عشرة سنة [وانظر في إثبات سماعه من عائشة: فضل الرحيم الودود (٤/ ٢٢٨/ ٣٥٨)] [المراسيل (٧٤٧ - ٧٦٥)، التاريخ الكبير (٧/ ٤١١)(وما وقع فيه من إثبات سماعه من علي ففيه نظر). تحفة التحصيل (٢٩٤)].
° وعلى هذا فإن الطرق التي جاء فيها إثبات السماع فيها نظر:
• أما طريق داود بن عيسى الكوفي: فلا يثبت الإسناد إليه.