قلت: وظاهر كلام أبي حاتم أنه استروح إلى ما ذكره في ترجمة سهل في الجرح والتعديل (٤/ ٢٠٠) من أنه بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أحد، وأنه شهد المشاهد كلها إلا بدرًا، ومن ثم فلا مانع عنده أن يكون هو المبهم في رواية مالك عن يزيد بن رومان، بل جزم بصحته، كما تقدم ذكره، وتكون هذه الأسانيد كلها ترجع إلى حديث واحد، وهو حديث سهل بن أبي حثمة، وذلك لاتحاد مخرجها، وهو صالح بن خوات، ولو ملنا إلى قول الجماعة الذين ذهبوا إلى أن هاتيك الأوصاف إنما هي لأبي حثمة، وأن ابنه سهلًا كان ابن ثمان سنين عند وفاة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فعندئذ نقول بقول ابن القطان:"صالح بن خوات قد روى القصة عن رجلين: أحدهما شاهدٌ للقصة فلم يسمه، والآخر لم يشاهد، وهو سهل بن أبي حثمة"، وهذا أقرب للصواب، وعليه: فهما حديثان، وواقعتان مختلفتان:
الأولى: يرويها يزيد بن رومان، عن صالح بن خوَّات، عمَّن صلى مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومَ ذاتِ الرقاع صلاةَ الخوف، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيها تأخير سلام الإمام.
والثانية: يرويها القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيها تقديم سلام الإمام.
وكل من قال فيه: عن صالح بن خوات، عن أبيه؛ فقد أخطأ، والله أعلم.
***
١٢٣٩ - . . . مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوَّات الأنصاري؛ أن سهل بن أبي حَثْمة الأنصاري حدثه؛ أن صلاة الخوف: أن يقوم الإمامُ وطائفةٌ من أصحابه، وطائفةٌ مواجِهةُ العدو، فيركع الإمام ركعةً، ويسجد بالذين معه، ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا، ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم الركعةَ الباقية، ثم سلموا وانصرفوا، والإمام قائم، فكانوا وِجاه العدو، ثم يُقبلُ الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الإمام، فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون.
قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد، عن القاسم، نحو رواية يزيد بن رومان؛ إلا أنه خالفه في السلام، ورواية [عبيد الله، نحو رواية] يحيى بن سعيد، قال: ويثبت قائمًا.
حديث صحيح وقد صح رفعه
أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٥٧/ ٥٠٤)، ومن طريقه: البخاري في التاريخ الكبير (٤/ ٢٧٦)، وأبو داود (١٢٣٩)، وأحمد (٣/ ٤٤٨)، وأبو عوانة (٢/ ٨٩/ ٢٤٢٢)،