قال في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف: قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلا أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها صحاح.
وقال في رواية حرب: كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح الإسناد، وكل ما فعلت منه فهو جائز.
وقد حمل بعضهم معنى رواية أبي بكر بن أبي الجهم على معنى رواية الزهري، وقال: إنما المراد أن الصفين صلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية، وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه، كما في رواية النعمان بن راشد، عن الزهري.
وأما قوله: فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان وللقوم ركعة، فهو من قول سفيان، كما هو مصرح به في رواية البيهقي، وذلك ظن ظنه، قد خالفه غيره فيه"، ثم استشهد على صحة هذا التأويل بما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، وقد سبق ذكره تحت حديث أبي عياش الزرقي (١٢٣٦).
قلت: أما دعوى اختلاف أبي بكر بن أبي الجهم والزهري في هذا الحديث على عبيد الله؛ فليس هذا بصحيح، بل قد جزم البخاري فيما سبق نقله في جزء القراءة أن الحديثين متفقان على صفة واحدة، وهي أن المأمومين إنما صلوا ركعة واحدة، وقد نقل ابن رجب نفسه تصحيح أحمد لحديث ابن عباس في الركعة الواحدة، وإعراض مسلم عنه لا يضره؛ لأنه لم يخرج كل ما صح من أحاديث صلاة الخوف، وقد نص على تصحيحها أحمد والبخاري.
وأما حديث النعمان بن راشد فهو وهم منه، وليس هو بالقوي، ولا يقاس النعمان بمحمد بن الوليد الزبيدي الثقة الثبت، وهو: من أثبت أصحاب الزهري، قدَّمه أبو حاتم في الزهري على معمر، والله أعلم.
* وأما حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا؛ فسيأتي برقم (١٢٤٧).
* وأما حديث عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
فقد رواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، قال: حدثني سعيد بن عبيد الهنائي، قال: حدثنا عبد الله بن شقيق [ثقة]، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازلًا بين ضَجنان وعُسفان يحاذي المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أهم [وفي رواية: أحب] إليهم من أبنائهم وأبكارهم [وهي العصر]، أجمعوا أمركم، ثم ميلوا عليهم ميلةً واحدةً، فجاء جبربل فأمره أن يقسم أصحابه نصفين، يصلي بطائفة منهم، وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حِذْرَهم وأسلحتهم، فيصلي بهم ركعة، ثم يتأخر هؤلاء، ويتقدم أولئك فيصلي بهم ركعة، [وفي رواية: وأخذ هؤلاء الآخرون حِذْرَهم وأسلحتهم]، تكون لهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعة ركعة، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان.