فيقال: قد صحت أحاديث هذا الباب، والتي تدل على أن المأمومين يجتزون بركعة واحدة، بينما يصلي بهم الإمام ركعتين، وصلاة الخوف لا تقاس على بقية الصلوات لاختلاف هيئتها، وتعدد صفاتها، فهي تختلف بحسب اختلاف أحوال المسلمين مع أعدائهم، وبحسب شدة الخوف، ويجوز فيها من الأفعال ما لا يجوز في صلاة الأمن، بل منها ما لو وقع في صلاة الأمن لأبطلها، والله أعلم.
* وأما رواية الزهري فقد رواها:
محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم معه، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام [وفي رواية: فتأخَّر] الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا [مع النبي - صلى الله عليه وسلم -] وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة [يكبرون]، ولكن يحرس بعضهم بعضًا.
أخرجه البخاري في الصحيح (٩٤٤)، وفي القراءة خلف الإمام (٢١٧)، والنسائي في المجتبى (٣/ ١٦٩/ ١٥٣٤)، وفي الكبرى (٢/ ٣٦٦/ ١٩٣٥)، وابن حبان (٧/ ١٣٤/ ٢٨٨٠)، وأبو العباس السراج في مسنده (١٥٧٣)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (٢٣٧٥)، والطبراني في مسند الشاميين (٣/ ٣٦/ ١٧٥٨)، والدارقطني (٢/ ٥٨)، والبيهقي (٣/ ٢٥٨).
وقد أخطأ ابن حبان حين أتبع حديث ابن عمر في قضاء الطائفين ركعة ركعة بعد السلام، بهذا الحديث، وترجم له بقوله:"ذكر البيان بأن القوم في الصلاة التي وصفناها كانوا يحرسون بعضهم بعضًا"، وإنما القول فيه كما قال البخاري، بأن هذا الحديث يروى عن حذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، وأنه مثل حديث ابن أبي الجهم عن عبيد الله عن ابن عباس.
* ورواه النعمان بن راشد [ليس بالقوي]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الخوف، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا خلفه صفين، وكبر وركع وركعنا جميعًا الصفان كلاهما، ثم رفع رأسه ثم خر ساجدًا وسجد الصف الذي يليه، وثبت الآخرون قيامًا يحرسون إخوانهم، فلما فرغ من سجوده وقام خرَّ الصف المؤخر سجودًا، فسجدوا سجدتين ثم قاموا، فتأخَّر الصف المقدَّم الذي يليه، وتقدَّم الصف المؤخَّر، فركع وركعوا جميعًا، وسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه، وثبت الآخرون قيامًا يحرسون إخوانهم، فلما قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خر الصف المؤخَّر سجودًا، فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (١٥٧٢)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (٢٣٧٤)، والدارقطني (٢/ ٥٨)، ومن طريقه: البيهقي (٣/ ٢٥٨).
قال ابن رجب في الفتح (٦/ ٢٧): "وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري، فالقول قول الزهري، ولعل مسلمًا ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده.