قال ابن رجب في الفتح (٦/ ٦٢): "والاستدلال بهذا الحديث على تأخير الصلاة للاشتغال بالحرب؛ استدلال ضعيف، وكذلك الاستدلال به على تأخير الصلاة لطالب العدو؛ فإن يوم ذهابهم إلى بني قريظة لم تكن هناك حرب تُشغِل عن صلاةٍ، ولا كانوا يخافون فوات العصر ببني قريظة بالاشتغال بالصلاة بالكلية، وإنما وقع التنازع بين الصحابة في صلاة العصر في الطريق، التفاتًا إلى لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى معنى كلامه ومراده ومقصوده:
فمنهم من تمسك بظاهر اللفظ، ورأى أنه لا ينبغي أن يصلي العصر إلا في بني قريظة؛ وإن فات وقتها، وتكون هذه الصلاةُ مخصوصة من عموم أحاديث المواقيت بخصوص هذا النص، وهو النهي عن الصلاة إلا في بني قريظة.
ومنهم من نظر إلى المعنى، وقال: لم يرِد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإنما أراد منا تعجيل الذهاب إلى بني قريظة في بقية النهار، ولم يرِد تأخير الصلاة عن وقتها، ولا غيَّر وقتَ صلاة العصر في هذا اليوم، بل هو باقٍ على ما كان عليه في سائر الأيام.
وهذا هو الأظهر، والله أعلم.
ولا دلالة في ذلك على أن كل مجتهدٍ مصيبٌ، بل فيه دلالة على أن المجتهد سواء أصاب أو أخطأ فإنه غير ملوم على اجتهاده، بل إن أصاب كان له أجران، وإن أخطأ فخطؤه موضوع عنه، وله أجر على اجتهاده.
ومن استدل بالحديث على أن تارك الصلاة عمدًا يقضي بعد الوقت فقد وهم؛ فإن من أخَّر الصلاة في ذلك كان باجتهاد سائغ، فهو في معنى النائم والناسي، وأولى؛ فإن التأخير بالتأويل السائغ أولى بأن يكون صاحبه معذورًا".
• قال ابن المنذر (٥/ ٤٢): "كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته، كذلك قال عطاء بن أبي رباح، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور".
• وأما عددها: فذهب ابن عمر وإبراهيم النخعي والزهري والثوري والشافعي ومالك إلى أنه يومئ بركعتين [راجع قول ابن عمر تحت الحديث رقم (١٢٤٣)، ومنها مثلًا: ما رواه عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: إذا أظلتهم الأعداء فقد حلَّ لهم أن يصلوا قِبَل أي جهة كانوا رجالًا أو ركبانًا، ركعتين يومون إيماءً، ذكره الزهري عن سالم عن ابن عمر، هكذا موقوفًا عليه قوله، وصح مرفوعًا، فيما أخرجه البخاري (٩٤٣) من طريق: موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإن كانوا أكثر من ذلك، فليصلوا قيامًا وركبانًا"، وله طرق أخرى ذكرتها هناك].
وذهب الحسن البصري وقتادة وطاووس ومجاهد وعطاء والحكم وحماد بن أبي سليمان إلى أنه يومئ بركعة، أينما كان وجهه، ماشيًا كان أو راكبًا [الجهاد لابن المبارك