هذا كلام الأئمة في الحديث، وأما من جهة السند، فإن أبا قيس لا تحتمل مخالفته لهذا العدد الكبير الذين ساقهم مسلم ممن خالفهم أبو قيس في متنه، لا سيما وأبو قيس هذا لم يتفق على توثيقه، وهو ليس بالحافظ، فإنه وإن وثقه: ابن معين وابن نمير والعجلي والدارقطني، وقال النسائي وأحمد -في رواية-: "ليس به بأس"؛ إلا أن أحمد قال في رواية أخرى: "لا يحتج به"، وفي ثالثة: "يخالف في أحاديثه"، وفي رابعة: "هو كذا وكذا" وحرك يده، وقال أبو حاتم: "ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ" قيل له: كيف حديثه؛ فقال: "صالح، هو لين الحديث" [التهذيب (٥/ ٦٥)، الميزان (٢/ ٥٥٣)].
والقول ما قال النووي، وهو حديث منكر.
• وقد وجدت له إسنادًا آخر:
يرويه أحمد الدورقي: ثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.
أخرجه الإسماعيلي في معجم شيوخه (٢/ ٧٠٤).
قلت: هو منكر، كسابقه، ويقال فيه ما قيل فيه.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات مشاهير، غير فضالة بن عمرو الزهراني هذا، فإنه مجهول، ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات، إلا أنهم قالوا: فضالة بن عمير أو: فضالة بن عبيد، ولم يقل أحد: ابن عمرو [التاريخ الكبير (٧/ ١٢٤)، الجرح والتعديل (٧/ ٧٧)، الثقات (٥/ ٢٩٦)].
ومن جهة أخرى فقد عدَّ مسلم هذا الإسناد فيمن خالفهم أبو قيس في متن الحديث؛ مما يقتضي أن يكون متنه: "مسح على الخفين"، فيكون ذلك من وهم أحد الرواة، والله أعلم.
• وللحديث شاهدان:
• الأول: يرويه محمد بن مسلمة: حدثنا موسى الطويل: حدثنا أنس، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الجوربين، عليهما النعلان.
أخرجه الخطيب في تاريخه (٣/ ٣٠٦)، والذهبي في السير (١٧/ ٤٨٠).
وقال: "هذا حديث تساعي لنا، لكن موسى ليس بثقة".
وعده في مناكير موسى الطويل هذا في الميزان (٤/ ٢٠٩)، وموسى هذا هو: ابن عبد الله الطويل: قال ابن حبان: "روى عن أنس بن مالك أشياء موضوعة، كان يضعها أو وضعت له فحدث بها، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب" [المجروحين (٢/ ٢٥١ - ط الصميعي"]، وقال ابن عدي: "يحدث عن أنس بمناكير، وهو مجهول" [الكامل (٦/ ٣٥١)]، وقال أبو نعيم: "روى عن أنس المناكير، لا شيء" [اللسان (٦/ ١٤٣)].
ومحمد بن مسلمة أيضًا قد ضُعِّف، وأنكرت عليه أحاديث، قال الخطيب: "في