* قال ابن القيم في زاد المعاد (١/ ٣١٩): "وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان، وتوسط فيها طائفة ثالثة، فأوجبها جماعة من أهل الظاهر، وأبطلوا الصلاة بتركها كابن حزم ومن وافقه، وكرهها جماعة من الفقهاء، وسموها بدعة، وتوسط فيها مالك وغيره فلم يروا بها بأسًا لمن فعلها راحةً، وكرهوها لمن فعلها استنانًا، واستحبها طائفة على الإطلاق، سواء استراح بها أم لا، واحتجوا بحديث أبي هريرة، ... ".
قلت: حديث أبي هريرة في الأمر بها شاذ، والثابت فيها إنما هو فعله - صلى الله عليه وسلم -، استراحةً من تعب قيام الليل، وفي حديث ابن عباس المتفق عليه، والمشار إليه آنفًا في الشواهد، أنه فعلها بعد الوتر، ولم يضطجع في تلك الليلة بعد ركعتي الفجر، فدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتركها أحيانًا، وعلى هذا فأعدل الأقوال فيها: أنه يشرع فعلها في البيت لمن قام الليل دون غيره، حيث يستعمل الدليل في موضعه دون ما عداه، وذلك لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يفعلها في البيت، ولم يكن يضطجع في المسجد، وعلى هذا فلا تشرع في المسجد إلا لحاجة، ولا لمن لم يقم الليل، قال ابن بطال في شرحه على البخاري (٣/ ١٥١): "ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الضجعة إنما كان يفعلها للراحة من تعب القيام".
وقد فعلها بعض الصحابة، وكرهها آخرون [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٥٤ و ٥٥/ ٦٣٧٩ - ٦٣٩٧)، وغيره].
وقد ثبت عن أبي مجلز، أنه قال: سألت ابن عمر عن ضجعة الرجل على يمينه بعد الركعتين قبل صلاة الفجر، فقال: يتلعب بكم الشيطان.
أخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ٥٥/ ٦٣٩٠)، بإسناد صحيح.
كذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف عنها لأدنى صارف، مما يدل على عدم سنيتها، لما روى سفيان بن عيينة، قال: ثنا أبو النضر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظةً حدثني، وإلا اضطجع حتى يقوم إلى الصلاة [متفق عليه، وتقدم آنفًا].
قال الأثرم:"فحديث عائشة هذا الآخر يبين لك أن اضطجاعه كان عن غير تعمد للاضطجاع لأنه سنة أو فضيلة" [الناسخ (٨٣)]، ولذا قال أحمد في رواية الأثرم:"ما أفعله أنا، فإن فعله رجل"، ثم سكت كأنه لم يعبه إن فعله، وقال في رواية ابن هانئ حين سأله عن الاضطجاع؟ فقال:"ما فعلته إلا مرة"، وقال أبو طالب لأحمد:"فإن لم يضطجع عليه شيء؟ قال: لا، عائشة ترويه، وابن عمر ينكره" [تقدم نقله بتمامه مع مصادره تحت الحديث رقم (١٢٦١)].
وقال ابن بطال في شرحه على البخاري (٣/ ١٥٢): "هذا الحديث يبين أن الضجعة ليست بسُنَّة، وأنها للراحة، فمن شاء فعلها ومن شاء تركها، ألا ترى قول عائشة: فإن كنت مستيقظة حدثنى وإلا اضطجع، فدل أن اضطجاعه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يفعله إذا عدم التحدث معها ليستريح من تعب القيام".