للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° وفيه مسألة: هل يؤمر من شرع في ركعتي الفجر بقطعهما؟

بناء على إبطال صلاته بمجرد سماع الإقامة؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة"، أم ينهى عن ذلك فقط وينكر عليه، كما أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو أتمها صحت، ففي حديث ابن سرجس أن الرجل شرع في النافلة بعد شروع النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الغداة، ومع ذلك أنكر عليه فعله بقوله: "يا فلانُ! أيتُهما صلاتُك: التي صلَّيتَ وحدك، أو التي صليت معنا؟ "، وفي رواية: "يا فلان بأيِّ الصلاتين اعتددتَ؟ أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا؟ "، وفي أخرى: "بأي صلاتيك احتسبت؟ بصلاتك وحدك، أو صلاتك التي صليت معنا؟ "، وفي هذا إنكار عليه لاشتغاله بالنافلة دون الفريضة، ولم يخبره ببطلان النافلة؛ لأنه صار كمن صلى الصبح مرتين، ولكن ذلك لا يفضي إلى إبطال صلاته؛ لأنا لو أبطلنا بذلك النافلة، لأبطلنا الفريضة تبعًا لذلك، إما لكونه لم يعينها، أو لكونه جعل الفرض أربعًا، وهذا مفضي إلى البطلان، ولو كان الأمر كذلك لقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة لك، أو: أعد صلاتك، أو نحو ذلك، والله أعلم.

وقصة ابن بحينة تدل على كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل صلاته أيضًا، فإنه مر على الرجل وهو يصلي وقد أقيمت الصلاة، فقال له: "يوشك أحدُكم أن يصليَ الفجرَ أربعًا وفي رواية: "آلصبحَ أربعًا، آلصبحَ أربعًا وفي أخرى: "أتصلي الصبح أربعًا؟! "، ولو بطلت صلاته لأخبره بذلك، أو أمره بالخروج منها، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما أمره بقطعها، ولا أن يخرج منها، وإنما أنكر عليه فعله حسب، والله أعلم.

وقد نقل ابن رجب اختلاف الأئمة في ابتداء التطوع بعد إقامة الصلاة، وتفريقهم بين المسجد والبيت، ثم قال بعد ذلك (٤/ ٧٣): "فإن كان قد ابتدأ بالتطوع قبل الإقامة، ثم أقيمت الصلاة، ففيه قولان:

أحدهما: أنه يتم، وهو قول الأكثرين، منهم: النخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، حملًا للنهي على الابتداء دون الاستدامة.

والثاني: يقطعها، وهو قول سعيد بن جبير، وحكي روايةً عن أحمد، حكاها أبو حفص، وهي غريبة، وحكاها غيره مقيدةً بما إذا خشي فوات الجماعة بإتمام صلاته، ... ".

فإن قيل: ألا يحتج على قطعها بحديث ابن عباس، وفيه: أقيمت الصلاة فقمت أصلي ركعتين، فجذبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "أتصلي الغداة أربعًا؟ "، وجذبه إياه دليل على قطعها، فيقال: ثبت العرش ثم انقش؛ فهو حديث لا يثبت، وقد تقدم الكلام عليه، في شواهد حديث ابن سرجس الماضي.

° وعلى هذا فمن شرع في النافلة قبل الإقامة لم يقطعها بسماع الإقامة، وإنما يتمها خفيفة، حتى يدرك الركعة الأولى مع الإمام، وذلك لأنه حين شروعه في النافلة كان ممتثلًا ندب الشارع إليها، فلما أقيمت الصلاة لم يكن مأمورًا بقطع صلاته [لحديث ابن بحينة]،

<<  <  ج: ص:  >  >>